أحمد السيد الكيال يكتب: رسالة من أسوان - التقارب نيوز
أحمد السيد الكيال يكتب: رسالة من أسوان

كان لروسيا موقفاً مسانداً عظيماً للشعب المصري، لعل أبرز تجلياته كانت خلال تجربة بناء السد العالي، حيث عمل أكثر من 400 خبير روسي.

هذه الرسالة على لسان أحدهم موجهاً إياها إلى زوجته التي تأخرت عن الحضور معه لظرف صحية. في الحقيقية هي رسالة من وحي الخيال ولكني لست متأكداً إن كان هناك أحدهم قد أرسل مثلها بالفعل.

1961

عزيزتي أولجا.

أكتب إليك من صحراء قاحلة وطقس شديد الحرارة، من الجيد أن نسبة الرطوبة لا تذكر. أتمني أن تكوني أفضل حالاً وصحتك الآن علي ما يرام، فأنا أشتاق بشدة إلي وجودك بجواري يا عزيزتي، فهمت من خطابك الأخير أنك علي وشك مغادرة المشفي، أنتظر قدومك بفارغ الصبر، ولعل ما كنت أعتقده شراً، كان في حقيقة الأمر كل الخير.

عندما قدمت هنا بدونك، كنت في غاية الإستياء، فأنا الوحيد من كل المهندسين الروس بلا زوجة، لكن ربما مجيئي ساعدني علي تفهم الأمر والحياة هنا، وأعتقد أن ذلك سيكون جيداً لأنني سأساعدك على التأقلم أيضاً عندما تحضرين.

أتعلمين يا عزيزتي، نحن نقوم هنا بأمر عظيم، المصريون شعب طيب للغاية، يقابلوننا بإبتسامة نضرة طوال الوقت، قلوبهم بيضاء، ويمتازون بروح التعاون والإيثار، وإن كان لديهم الكثير من الكسل والتطفل أيضاً، ولكن بحسن نية، فهم يعتقدون أنه من الطبيعي أن يصافحك ويسألك كيف حالك، ويسأل عما تحتاجينه، بل ويبدأ في التطوع ليدلك، أو يذهب مسرعاً بنفسه ليجلب لك ما تحتاجينه، وهو لا يعرفك جيداً، أو ربما يحادثك للمرة الأولي.

كما أنهم يبالغون في وصف حالهم، يقولون “رائع” ويشكرون الرب وهم في حالة بالغة من السوء، كما يمتازون بروح دعابة غير عادية، يطلقون علينا أسماء خاصة بهم، أتعلمين لقد أطلقوا علي إسماً غريباً  “أبقري” إنها كلمة عربية تعني شديد الذكاء أو مبتكر، لا أستطيع نطق ذلك الحرف الأول كما ينطقونه، حاولت مراراً، الموضوع يبدوا مستحيلاً، لعلك الآن تستغربين لماذا أطلقوا علي هذا الإسم، بإختصار، لقد إبتكرت لهم مبرداً للهواء، كانت فكرة بسيطة للغاية، صندوقين أحدهما أصغر من الأخر، والفراغ بينهما محشو بنشارة الحديد و القش، ومثبت فيها “مروحة” ومن ثم يمتلأ المكان بالهواء البارد، لقد تم تعميم تجربتي في كل الموقع، إنه أمر يشعرني بالفخر والسعادة الكبيرة.

عزيزتي، هذا الشعب الطيب الصديق الذي يحارب من أجل البقاء علي قيد الحياة، يستحق منا فعلاً التضحية، هؤلاء الناس يعيشون علي نهر واحد يسمي “نهر النيل”، هو مصدر حياتهم، فبدونه ربما يتبخرون هم أنفسهم من شدة الحرراة وأشعة الشمس الحارقة، هذا النهر يعيشون علي جانبية، يشربون ويزرعون منه، ويعانون أحياناً، فهذا النهر كان يقتلهم أيضاً، تارة يجف فتجف حياتهم، وتارة يفيض فيغرق البشر والبيوت والزرع، تعرضوا كثيراً للمجاعات والمصائب العظيمة.

بالفعل يا أولجا، أنا أشعر بالفخر لوجودي هنا، هؤلاء البسطاء الطيبون الذين يقدروننا كأشخاص ويقدرون أيضاً وطننا، نحن نساعدهم ونقف بجوارهم ليأمنوا حقهم في الحياة، وهذا المشروع العظيم “السد العالي” لن يحميهم من الفيضان والجفاف فقط، بل هناك ميزة أخري شديدة الأهمية، سيكون مصدراً للكهرباء، العمال المصريون الذين ينتمون للريف لا يصدقون أن هذا سيحدث، أن الكهرباء ستدخل إلي قراهم، يعتبرون ذلك حلم وحدوثه بمثابة الخيال.

حبيبتي، كل يوم أشتاق لأن أفتح عيني في الصباح فأجدك بجواري في الفراش، أشتاق إلي قبلتك قبل أن أغادر المنزل، إلي عناق يستمر لدقيقة عند عودتي من العمل في المساء، إلي إبتسامتك الدافئة ونحن نطرق كأسي النبيذ قبل تناول العشاء، أشتاق إلي تنزهنا سوياً علي نهر نيفا، وفي طرقات جزيرة فاسيلي، إلي قضاء عطلة الأسبوع في المنتزه الصيفي أو مع الأصدقاء في الحانة بشارع “نيفسكي بروسبكت”، أشتاق إلي “لينينجراد” كلها معك.

الشيء الوحيد الذي يمنحني الصبر علي هذا الإشتياق العظيم، هو إيماني أنني هنا مع زملائي من الإتحاد السوفيتي والعرب لنمنح الحياة لأطفالاً وأجيالاً قادمة.

أخيراً: عزيزتي إحرصي علي أن تكون كل حقائبك، عبارة عن زجاجات من الفودكا فقط، لا تعتقدي أني مجنوناً أو سرت ذاك السكير، لا، فقط كل شيء نستطيع أن نقتنيه من هنا إلا الفودكا بالمذاق الروسي.

المخلص لك مدي الحياة

فاديم يوريفيتش


0 ردود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

بحث




الحصول على آخر الأخبار تسليمها يوميا!

سنرسل إليك الأخبار العاجلة في صندوق البريد الوارد


© 2018 altaqarub, Inc. Privacy policy