يعد مسجد موسكو الكبير واحد من أقدم مسجدين في العاصمة الروسية موسكو، (المسجد الاول يقع في حى “زاموسكفوريتشي” حيث أقام التتار ما بين القرن 13-15 في موسكو)، وفي عام 1902 قدم التاجران “باقيروف وعقبولاتوف” طلبا لمنحهما قطعة الأرض التي يقوم عليها المسجد حاليا، بهدف بناء مسجد ثان في موسكو، وفي العام التالي وافقت سلطات موسكو التي كان على رأسها في ذلك الوقت الأمير “سيرجي ألكسندروفيتش”، على مشروع بناء المسجد، ولما علم التاجر المسلم “صالح يوسوبوفيتش” بالقرار أعلن عن تقديمه كامل التمويل لكل أعمال البناء، وبعد شراء قطعة أرض بمبلغ 35 ألف روبل وضع تصميم المسجد، المهندس “نيقولاي جوكوف”، بالأسلوب البيزنطي، مع صالات تتسع لمائتي مصلٍّ.

وفي عام 1904 توجه “بدر الدين حظرات عاليموف”، الإمام الأول للجامع الكبير في موسكو بطلب إلى السلطات كي تسمح له بفتح أبواب المسجد أمام المصلين.

بعد عدة سنوات، ومع سيطرة الشيوعيين على السلطة في روسيا إزدادت حملات القمع ضد الديانات عموما، وأغلق الشيوعيين معظم المساجد وهدمت كثير من الكنائس في روسيا، إلا جامع موسكو الكبير، بقي مفتوحاً أمام المصلين، حيث قررت السلطات السوفيتية وقتها الإبقاء على المسجد لتخفيف حدة التوتر، وتفادي مواجهة مع المسلمين، و فى فترة لاحقة من تاريخ روسيا، استغل قادة الحزب الشيوعي جامع موسكو الكبير لتوطيد علاقاتهم مع دول عربية وإسلامية، ليظهروا من خلاله أنهم لا يعادون الدين الإسلامي على الرغم من انتمائهم للفكر الشيوعي، إذ زار الجامع الكبير كل من “جمال عبد الناصر”، و”معمر القذافي”، والرئيس الإندونيسي “سوكارنو”. استمر هذا المسجد، إلى جانب مساجد أخرى في روسيا، في لعب ذلك الدور في السياسة الخارجية الروسية، لا سيما في العلاقات مع العالمين الإسلامي والعربي.

 وفي مطلع التسعينات، أضيف للمسجد دور آخر، داخلي، تجلى في نشر الفكر الإسلامي المعتدل لمواجهة الأفكار المتطرفة التي غزت روسيا حينها.

بين عامي 2009 – 2010 تصدع المبنى القديم إلى درجة أنه لم يعد ممكنا الصلاة فيه، حيث تجمعت المياه الجوفية تحت مبنى المسجد، نتيجة مرور أفرع نهر (نيجلينكي) تحت أرض المسجد، حينها تم اتخاذ القرار بإزالة المبنى القديم، وتشييد مبنى جديد يلبي كل المتطلبات، وفي مقدمتها القدرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من المسلمين، وعند ذلك تقدم السيناتور من جمهورية داغستان في المجلس الفيدرالي الروسي “سليمان سليمانوف” بالاستعداد لتمويل بناء مبنى جديد، وباقي التمويل سيكون من التبرعات والمنح من داخل روسيا وخارجها.

تكلفت المسجد حوالى 170 مليون دولار، تبرع بالجزء الأكبر منها “سليمان كريموف”، وبالفعل تم هدم البناء القديم للمسجد عام 2011 وبدأ بناء مبنى جديد.

وضع  أسفل المبنى 131 عموداً خرسانياً لتدعيم أساساته نظراً لقربه من المترو، ووجود مياه نهر (نيجلينكي)، واستُخدم في إكساء المسجد، المرمر وحجر الملاكيت، ومن الألوان كان الذهبي والفيروزي اللونين الرئيسين اللذين أضفيا على البناء رونقه، أما الرسوم على الجدران، فهي تقليدية في المساجد التترية وقد أنجزها يدويا خطاطون استدعوا خصيصا من تركيا، و في وسط هذا المجمع قبة مذهبة طليت باثني عشر كيلوجرام من الذهب، واستوحى المصممون شكل القبة الحالي من شكل قباب موسكو الذهبية، كتبت عليها بعضا من آيات القرآن الكريم، تضيء المبنى أكثر من 320 نجفة، مصنوعة من الكريستال، تزن النجفة الكرستال الرئيسية 1.5 طن، ويبلغ عرضها 4.3 متر، وارتفاعها 7.6 متر، وبها 350 مصباحا عملاقا، صنعت في تركيا خلال 3 أشهر.

يتكون الجامع من ستة طوابق، يبلغ ارتفاع قبته 46 مترا، وعلو مآذنه 72 مترا، على مساحة 19 ألف متر مربع، يتسع لعشرة آلاف مصلٍّ، ويمكن أن يستوعب بالأماكن المحيطة به لعشرين ألفا، والمسجد مزود بسبعة مصاعد كهربائية، وبمكيفات للهواء، وأجهزة لذوي الاحتياجات الخاصة ويوجد به مقر لمفتي روسيا الشيخ “رويل عين الدين”.

وبذلك أصبح أكبر مسجد في أوروبا، وتحول المسجد إلى مركز ثقافي وعلمي لتدريس العلوم الإسلامية والتربوية.

و تم افتتاحه في 23 سبتمبر 2015 بحضور الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” والرئيس الفلسطيني “محمود عباس” والرئيس التركي “رجب طيب اردوغان” ورئيس قيرغيستان وكازاخستان وغيرهم من الشخصيات الاسلامية والعربية ووفد من الازهر الشريف.