يهود الفلاشا وثغرة بني صهيون
بقلم: د. هبة جمال الدين
استاذ العلوم السياسية المساعد ورئيس قسم الدراسات المستقبلية ، معهد التخطيط القومي، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية
نطالع ما يحدث بالكيان الصهيوني من نتائج سياسات العنصرية والتمييز المتأصلة بالكيان الاستيطاني الذي يصف نفسه بالديموقراطية واحترام حقوق الإنسان؛ فأي حقوق إنسان نشاهد نتيجتها الان يتم اطلاق سراح القاتل وحمايته والاعتداء على أسرة المقتول غدرا لا لذنب وانما لأن الله خلقه من أصحاب البشرة السمراء عجبا لهذه الديموقراطية المزعومة.
في الواقع ليست احداث مقتل الشاب ذو الثامنة عشر سولمون تيكا على يد شرطي اسرائيلي خارج الخدمة، بالأحداث الأولى التي يهب وينتفض بسببها يهود الفلاشا ففي عام 2015 انتفضوا من قبل في ميدان رابين بتل ابيب وكانت الشرطة الإسرائيلية جاهزة للضرب والاعتداء والسحل للمتظاهرين وكان نتيجة هذه السياسة تجرأ ضابط سابق على “مواطن” – من المفترض ان مهمته حمايته- ليقتله وكأنه كان واثقا من القضاء العنصري بإسرائيل الذي لم يرى بوجود قتيل واطلق سراح القاتل بل وخصص له حماية خاصة في منزله.
هنا علينا الوقوف والتساؤل عن ملامح السياسة العنصرية ضد يهود الفلاشا، ولماذا تمارس ضدهم هذه السياسة وما مدى اهميتهم للكيان الصهيوني، وهل هذه السياسة العنصرية تمارس ضد الفلاشا فقط، وإلى أي مدى يمكن لاسرائيل احتواء الموقف.
في الواقع يعاني يهود الفلاشا من:
– انكار ليهوديتهم بشكل اصيل فيشكك الصهاينة في كونهم يهود باعتبارهم تعرضوا للتنصير من قبل ومن ثم قد لا تنطبق على جميعهم قوانين الدولة العبرية “اليهودي هو من ولد لأم يهودية” كما أن موجة الهجرة قد شملت اثيوبين غير يهود بالاساس ولكنهم بعد سفرهم لاسرائيل تهودوا. لذا ينظر إليهم نظرة استعلائية
– العيش في ظروف معيشية سيئة فالكثير منهم يعيشون في عشش من الصفيح
– يمارس ضدهم سياسات عنصرية خلال عملية التوظيف فيتعرضون دوما للوظائف الدنيا او الاكثر خطورة حيث يوضعون في الصفوف الأولى وقت الحرب او الاعتداء
– بعضهم يعاني من أمراض كالسل والإيدز مما يتطلب علاج بما يتجاوز 5 مليون شيكل ومن ثم ينظر إليهم كعبء اقتصادي
– من لا ترغب اسرائيل في وجوده على اراضيها سواء من اصول اثيوبية او افريقية يتعرض لتجار البشر من الصهاينة ويتم بيعهم أعضاء spare parts
في الواقع تمثل السياسة الاستعلائية ضد الفلاشا أحد صور النظرة الاستعلائية للشخصية الاسرائيلية في التعامل مع الآغيار ومع الذات فالاسرائيلي الاشكنازي الغربي هو الافضل يحصل على امتيازات لا يحصلها غيره حتى من السفارديم يهود الشرق الذين يأتون في المرتبة الثانية، ثم يهود الفلاشا يليهم العرب وقد نجد طائفة الدروز في الصف العربي افضل حالا من الفلاشا فهى الطائفة الوحيدة في العرب الذين يسمح لهم بدخول جيش الاحتلال بل ومنهم من تولى مناصب وزارية كايوب القرا. وهذه النظرة الاستعلائية متجذرة داخل الثقافة الاسرائيلية التي تنظر باحتقار لداكني البشرة باعتبارهم اولاد حام المنبوذ وفقا لاساطيرهم أما هم فأولاد سام صاحب البركة. ولن يمكن استئصال هذا الفكر العنصري من العقلية الاسرائيلية لانه متجذر دينيا لدي الكيان الصهيوني. وربما ينجح نتنياهو في احتواء هذه الازمة ولكنها ستظل كامنة وقائمة في العقلية الاسرائيلية على مدار السنين.
لكن السؤال المهم كيف جاء يهود الفلاشا، ولماذا حرصت على وجودهم اسرائيل رغم التشكيك في يهوديتهم، ولماذا لا يعودوا، وما الانعكاسات المستقبلية لوجودهم بالكيان الصهيوني:
– جاء يهود الفلاشا إلى اسرائيل خلال ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي بدأت هجرتهم بتهجير 2000 اثيوبي ممن تنطبق عليهم تعاليم الديانة اليهودية اي المولود لأم يهودية وفي ظل الخلل الديموغرافي زاد عددهم وتغاضت اسرائيل عن هذا الشرط مؤقتا وتم نقل المكون البشري الاثيوبي وسرعان ما تهودوا جميعا حيث يصل عددهم الان 150 الف اثيوبي.
– كانت هجرتهم بطرق غير مشروعة في البداية عبر تعاون المخابرات الامريكية والعملاء كعدنان خاشقجي تاجر السلاح – ابو الصحفي المقتول جمال خاشقجي- عبر تقديم رشوة لاحد الرؤساء وسميت العملية الاولي للتهجير باسم موسى. واكتملت عبر الضغط على رئيس وزراء اثيوبيا في بداية التسعينات ومنعه من شراء السلاح لاجباره اللجوء لاسرائيل للتوسط مع امريكا من خلال الايباك ومن ثم طرحت قضية تهجير يهود الفلاشا. هنا يظهر أن اسرائيل سعت جاهدة لتهجيرهم خاصة أنها احدثت الوقيعه بينهم وبين المسيحين الاثيوبين لاثارة حملة معادية لهم لشق الصف وحثهم على الموافقة على الهجرة عبر رجال من الموساد عاشوا معهم لفترة. لتظهر اسرائيل كالجنة الموعودة والعيشة الرغدة.
– بداية اكتشاف وجود يهود الفلاشا كانت بمحض الصدفة عبر باحث امريكي كان يستكشف منابع النيل ووجدهم هنا تحركت الوكالة اليهودية وجمعتهم للبدء في تهجيرهم. واستغلت اسرائيل وجود يهود على منابع النيل مما له انعكاسات هامة في الحلم والعقلية اليهودية التي تحلم بحدود اسرائيل الكبرى من النيل للفرات. في ظل موجة مطالبات للدول التي رحل وغادر منها اليهود بل ومطالبات اخرى بحقهم في الارض. خاصة أنهم الان يؤصلون بأنهم اصل افريقيا عبر:
• جمعيات حفظ التراث اليهودي كمشروع صهيوني عالمي في كل دول العالم
• مؤتمرات دولية ابرزها مؤتمر افريقيا اليهودية الابراهيمية الذي نظمته جمعية ميمونة المغربية والجمعية الامريكية ليهود السفارد العالمين في يناير الماضي بامريكار، شارك فيها عدد من رؤساء الطوائف اليهودية في الدول العربية
• خرائط تصدرها الخارجية الاسرائيلية باماكن اليهود في القارة الافريقية
• خرائط تعدها الوكالة اليهودية بأن اصل الافارقة والعرب والاوروبين اليهود سواء كانوا مسلمين او مسيحين
• حملات صهيونية لتزوير التاريخ والتلاعب في الوثائق
• مطالبات باعادة بناء الطوائف اليهودية التي قل عدد ابنائها من خارج الدول ذاتها مما يمثل خطورة فقد ياتي صهاينة سواء من داخل او خارج اسرائيل كما انهم تنازلوا عن حقوقهم وارضهم وباعوا ممتلكاتهم وتركوا البلد وتنازلوا عن جنسيتها بل منهم من ساهم في خراب اقتصادها
• التزرع بوجود معابد ومقابر يهودية للتدخل في شئون الدول بحجة حمايتها او ترميمها او المشاركة في احياء العبادات بها.
هنا نحتاج للاجابة عن سبب تمسك اسرائيل بهم رغم التشكيك في يهوديتهم:
– النظرة البرجماتية للكيان الصهيوني: فهم مدخل اسرائيل لافريقيا وتقسيمها فيتم توظيفهم بالجيش الاسرائيلي للقيام بأعمال تخريبية وانفصالية داخل الدول الافريقية كمشاركة يهود الفلاشا في الحرب بجانب الانفصالين بجنوب السودان كسودانين. حيث اعتمدت على المواصفات الشكلية لتحقيق اهدافها وذلك وفقا لكتاب الموساد المنشور عام 2015 تحت عنوان “نجاح مهمة الموساد في انفصال جنوب السودان”
– سياسة الاستعلاء: دائما ما يستعان بيهود الفلاشا في الاماكن والوظائف الاكثر خطورة واقل مكانة كخط الدفاع الاول اثناء المعارك الضارية او في المهن الدنيا التي لا يقبل عليها اليهود الاسرائيلين من الاشكناز والسفارديم
– الخلل الديموغرافي: في ظل ارتفاع معدل الخصوبة عند الجانب الفلسطيني هناك احتياج للمكون اليهودي للحفاظ على التفوق العددي ومع الفكر التوسعي الاستيطاني خاصة هذه الايام هناك حاجة لاستمرارهم
– المخططات المستقبلية: المطالبة بحقوقهم في مياه النيل كإسرائيلين تم تهجيرهم عنوة، البعض يؤصل ان اصولهم يمنية او سعودية ومن ثم من المهم المطالبة بتعويضات تمهيدا للمطالبة بحقوقهم في الارض او العودة اليها (ككتاب العودة إلى مكة لضابط الموساد الاسبق آفي ليبكن 2016)
أما عن سبب عدم عودتهم، في الواقع لا يمكن اطلاق القول على علته فهناك عناصر عادت لاثيوبيا بعد اكتشافها الوهم الذي خدعوهم بوجوده لكن عددها لم يتجاوز 20 الف ومازال الموجود منهم 150 الف، ولكن من اهم اسباب عدم العودة هو ميلاد جيل جديد منه سولمون تيكا ابن الثامنة عشر على الارض المحتلة وهنا تأتي المفارقة كيف يكون من الصبرا –الجيل المولود على ارض فلسطين- ويتم قتله والتعامل معه باستعلاء وعدم اكتراث بجريمة مقتله.
هنا لابد أن نطرح تساؤل هام لأعمال ذهن القارئ، ما هي مسئوليتنا تجاه ما يحدث الان من احداث تميز عنصري واضح من الكيان الاستيطاني المتاخم لنا:
– توعية الاخوة الافارقة بما يحدث تجاه ابناء جلدتهم من يهود الفلاشا بسبب لون بشرتهم. مما يمثل انعكاسا مهما للسياسة العنصرية التي نبذها العالم وعاني منها الافارقة على مدار حقبة دامية من الزمن. مما يستوجب اعادة التفكير في الشراكة الاسرائيلية معهم فهم يضعون يدهم في يد عنصرين متطرفين ينظرون إليهم نظرة استعلائية بل بمرور الوقت سيتحولون إلى المعاملة التي عانوا منها خلال حقبة العبودية خاصة بعد ربط الاقتصاد الافريقي بعدد من دول القارة بالاقتصاد الاسرائيلي.
– توعية العالم بحقيقة الدولة الديموقراطية راعية حقوق الانسان، حتى وإن كان ذلك عبر شبكات التواصل الاجتماعي خلال الحرب الاعلامية التي بدأتها اسرائيل بل ومأسستها عام 2012 بإعلان تشكيل لواء الحرب الالكترونية كاحد ألوية ما يسمى بجيش الدفاع الاسرائيلي.
– اجراء ابحاث حول مدى امكانية تحويل الاحتجاجات لربيع اسرائيلي لتغير سياسة نظام الاضطهاد والية القتل لنظام اكثر قبولا وتعايش مع الداخل والخارج. ويذكر ان اسرائيل بالفعل قامت وتقوم بهذه الابحاث فمن أبرز الدراسات التي اعدها المركز الاعلامي الاسرائيلي بالقاهرة “دراسة الطوائف والاعراق بالمجتمع المصري” هذا الملف الذي يحاولون اثارته من فترة لاخرى وظهر بقوة خلال احداث الربيع العربي.
– أن نعي الدرس عربيا: فالعنصرية الاسرائيلية كامنة ومتأصلة فهم يقتلون أبناء دينهم ولا يحاسبون الجاني بل يحمونه ويمارسون اشد اليات العنف ضد المطالبين بحقهم. إذا فإذا ربطنا اقتصادنا وحياتنا بالصهيوني الاستعلائي غير المتسامح مع ابناء وطنه فماذا سيفعل بنا اذا دخلنا معه في تعاون دون ترسيم حدوده ودون اقامة دولة فلسطينية. فالاجابة ستكون التهام الارض والموارد والمكافأة القتل والطرد والتشريد والاغتصاب … فعلينا ان نعي الدرس اذا. لا مجال للتعاون الا حال تغير سياستهم واولها ترسيم حدودهم واقامة الدولة الفلسطينية.
– الشعوب العربية قادرة على رفض التطبيع واستمرار المقاطعه مهما كان المحرك: تراهن اسرائيل على تغير قيم واولويات الشعوب العربية، ولكنه رهان زائف فنحن سنظل صامدون نحمي ارضنا وندافع عنها ليوم الدين. فكل بلد عربي قدم ويقدم شهداء لنصرة اية الحق وحماية الارض.
وفي الختام، لابد من التأكيد أن وضع يهود الفلاشا هو ثغرة حقيقية في الجسد الصهيوني المريض بالشك والاستعلاء والخوف والذي لا يتوحد إلا عبر خلق عدو خارجي لذا علينا ان نعي أنهم ليسوا العدو الذي لا يقهر فهى اسطورة زائفة يروجونها خلال الحرب النفسية وأثبت المصريون واقع هذه الاسطورة المخاعة وستظل مصر عالية تثبت للجميع ان الحق هو الذي ينتصر دوما فتحيا مصر وتحيا الامة العربية. ويسقط المعتدي المغتصب العنصري.