الروائي فتحي سليمان يكتب: أنــا مــن تـلك القُــرى
رواية عنوانها أشعل حريق الذكريات في رأسي ”تلك القُرى“
تلك التي فوق تراب طُرقاتها، عركنا الحياة وبين حجري رُحاها شببنا وأستقام عودنا.
تلك القُرى التي لو سمع ملك باب السماء حكاياتها لأهتز مذهولًا وألقى دفتره.
على المصاطب الطينية أرضعونا مقولة أن الرب خلق القُرى وترك للأنسان عار صناعة المدن!
وكنا حين تأتي سيرة المدينة نستعيذ بالله ونحمده على نعمة الفقر الأمينة.
عصفور في اليد خيرٌ من أسفلت الشوارع الطويلة، وخيال مآتة حشوناه بأيدينا قش أامن من عفاريت الأسمنت الكئيبة.
في تلك القُرى – الرواية أقصد – نهج ”أحمد سراج“ تجريبية سرد مزج فيها بين الأصوات (سرد الشخصية بصوتها) وبين أسئلة ظلت طوال أحداث الرواية تطُل على طرف لسانها!!
وبين السؤال والأخر دارت الأحداث مرة لتُجيب، ومرة لتتضامن مع السائل.
رواية الأصوات منذ تبناها ”سليمان فيّاض“ جل ذكره، تتمتع بخاصية عبور المكان والزمن!
فهي تتعامل مع السرد بجهاته الأربعة ”شمال شرق غرب جنوب“ وتنهل من جغرافية المكان زخم الأخبار، والأخبار هي طحين الحياة، ورضاب لُعاب الحكي.
وتقفز فوق الزمن مرة بطريقة الفلاش باك، ومرة مستعينة بتقنية الإبيجرامية الساحرة.
”أحمد سراج“ في ”تلك القُرى“ وكما هو معروف عنه عشقه وولعه باللـــغة، واجهته مشكلة عويصة!
كيف يترجم لغة الجسد؟
كيف يضع همزة الأه فوق السطر وهي التي لا تقبل سوى أسبطة النخيل في العلالي؟
كيف يوافق بين الإختيار بجناحيه والإحتمالات ذات التوقعات العديدة؟
أسئلة .. ظلت الرواية تضنُ بإجابتها حتى الأن على أهل .. تلك القُرى.