قمة رابطة الدول المستقلة في الذكري 27 لإنهيار اللإتحاد السوفيتى
فى نهايات القرن الماضى سقطت من خارطة المجتمع الدولى أحدى أهم القوى الدولية التى لعبت دورا سياسياً مؤثرا فى تشكيل موازين القوى الدولية على مدار أكثر من 70 عام، والتى جمعت 15 جمهورية فى اطار الأتحاد السوفيتى، وقادت نصف القارة الأوروبية نحو بناء نظام يختلف عن النظام العالمى السائد منذ بداية القرن العشرين. ولعل المنهجية السياسية والأقتصادية التى ادار وفقها النظام السوفيتى شؤون البلاد، كانت ابرز محاور الصراع الدولى. ومنذ 27 عام اختفت من الوجود دولة كانت تعرف باسم الاتحاد السوفيتي، وذلك بعد أن وقع رؤساء ثلاث جمهوريات سوفيتية رئيسية – روسيا وأوكرانيا وبيلوروسيا – “اتفاقية بيلوفيجسكايا بوشا” في ديسمبر 1991. وتم في فى نفس الشهر إعلان قيام كيان جديد في مكان الاتحاد السوفيتي عرف باسم “رابطة الدول المستقلة”.
وبدأت منذ تلك الفترة تحدث سلسلة تغييرات جذرية فى الأنطمة السياسية والأقتصادية للجمهوريات السوفيتية السابقة، خاصة بعد أن رفعت موسكو شعار الإصلاح والإنتقال بالإقتصاد الروسى إلى علاقات السوق الحر. وبالرغم أن التوجه الذى التزمت به حكومة يلتسين تبلور كسياسة رسمية لروسيا استنادا لموقف الأغلبية، إلا انه كانت بمثابة كارثة اقتصادية ليس فقط على روسيا وانما ايضا على الجمهوريات السوفيتية السابقة التى كانت تعتمد بشكل كبير على الإقتصاد الروسى، واذا كانت اسباب انهيار الإقتصاد الروسى آنذاك تتمثل فى سياسة النهب والفساد التى سيطرت على نظام يلتسين، فإن هذه الأزمة تفجرت فى الجمهوريات الأخرى بسبب انهيار الجانب الصناعى الإنتاجى فى اقتصادياتها والذى كان يعتمد بشكل كامل على روسيا.
وجاء تشكيل رابطة الدول المستقلة كمحاولة لإنقاذ الوضع، بإعتبار أن انفصال الجمهوريات السوفيتية بحد ذاته ودون الأخذ بعين الإعتبار آية ازمات إقتصادية اخرى قد تسبب فى تعطيل 40% من القاعدة الصناعية السوفيتية، التى شيدت على اساس شبكة العلاقات السوفيتية المتشعبة. إلا أن الإطار الجديد فشل على مدار السنوات الماضية فى تقليل حجم الخسائر من خلال اعادة صلات التعاون على ارضية المنفعة المتبادلة. حيث اسفر تشظى الأتحاد السوفيتى وانهيار اقتصاديات جمهورياته إلى خضوعها لمراكز قوى عالمية مختلفة.
وسعت روسيا لإبتكار اشكال واطر تعاون متعددة فى محاولة لفرز الأطراف المدركة لأهمية هذا التعاون، ما ادى لتأسيس دول المجال الأقتصادى الموحدة والذى ضم اوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا وكازاخستان، وانهار هذا المجال الموحد بعد سيطرة البرتقاليين المواليين للغرب فى أوكرانيا على مقاليد السلطة. وركز الكرملين اهتمامه على الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذى يضم (روسيا وبيلوروسيا وطاجيكستان وكازاخستان وقيرغيزيا وأوزبكستان) لتطويرها بإتجاه أن تصبح إطار بديل لرابطة الدول المستقلة، التى فشلت في إقامة مجال إقتصادى يضم الجمهوريات السوفيتية السابقة، إلا ان هذا الإطار لم يتمكن من تحقيق تفاهم حول عدد من الملفات، ابرزها ملف الطاقة واسعار توريد الغاز الروسى، والاليات النقدية، ما تسبب فى ركود نشاط هذا الإطار.
هذا الوضع يكشف الخريطة التى بدأت تتبلور ملامحها عقب انهيار الإتحاد السوفيتى، بعيد عن المبالغات التى تتحدث عن أن اهمية الاتحاد الاقتصادي الاوراسيوي، والذي اعتبره البعض التحالف المناظر للإتحاد الأوروبى، للدرجة التي دفعت مصر للسعي حثيثا علي التعاون مع هذا الاتحاد بل والانضمام له اذا امكن، لكن الوضع يكشف ان هذه الاطر ليست اكثر من محاولات تقوم بها روسيا لحماية مصالحها وامنها القومى.
مازن عباس – موسكو