كتاب الطائفة اليهودية بروسيا من التهميش للنفوذ - التقارب نيوز
كتاب الطائفة اليهودية بروسيا من التهميش للنفوذ

قراءة في كتاب: “الطائفة اليهودية في روسيا: من التهميش إلى النفوذ”

صدر حديثاً عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات كتاب بعنوان “الطائفة اليهودية في روسيا: من التهميش إلى النفوذ“، للكاتبة الدكتورة هبة جمال الدّين العزب، أستاذ مساعد بمعهد التخطيط القومي بجمهورية مصر العربية، ورئيس قسم الدراسات المستقبلية، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وجمعية الصداقة المصرية الفلسطينية واللجنة المركزية لمكافحة التطبيع والأبارتهايد، وخبيرة في الشؤون الإسرائيلية. وجاء الكتاب في 166 صفحة من القطع المتوسط، وهو يُمثِّل إضافة نوعية للاطلاع على المراحل المفصلية التي مرّ بها يهود روسياللتحول من أقلية مهمَّشة لنخبة مسيطرة استطاعت التحكم في مقاليد الاقتصاد والثروة في روسيا، ودورهم في بناء العلاقات بين روسيا “إسرائيل” التي كانت مقطوعة إبان الاتحاد السوفييتي، وفي الحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة.

يشتمل الكتاب على مقدمة وفصلين رئيسيين وخاتمة. يحملالفصل الأول عنوان “القوة السياسية لليهود في روسيا “من أقلية مهمشة إلى نخبة مسيطرة”“، ويتناول المسار الذي سلكه يهود روسيا للتحوّل من أقلية المهمَّشة لنخبة مسيطرة مُتحكِّمة في مصادر القوة والنفوذ. وينقسم الفصل إلى ثلاثة أقسام، يستعرض القسم الأول أبرز النظريات التي فسّرت وجود اليهود في روسيا، مع الإشارة إلى اعتماد بعضها على الأساطير والروايات الشعبية المتداولة باعتبارها أدلّة كافية على صحة هذه النظريات. ويقدّم هذا القسم لمحة عامة عن تطور الحضور اليهودي في روسيا، في ظلّ غياب أرقام موحّدة حول أعدادهم، على الرغم من التراجع الملحوظ في تعدادهم على مرّ العقود. فبعد أن كان عددهم يتجاوز 5 مليون نسمة سنة 1914، بدأ يتناقص بعد سقوط الاتحاد السوفييتي بسبب موجات الهجرةإلى أن وصل إلى نحو 180 ألف نسمة سنة 2022.

ويتناول القسم الثاني وضع اليهود داخل روسيا القيصرية وحتى اقتراب سقوط الاتحاد السوفييتي، حيث اتَّسمت هذه المرحلة في العلاقة بين اليهود والسلطات الروسية بالعنف المتبادل من الطرفين. وفي محاولة لحل المشكلة اليهودية، قام جوزيف استالين سنة 1934 بمحاولة التقريب بينهم وبين حلمهم لإقامة وطن قومي لليهود، فأنشأ لهم إقليم الحكم الذاتي بيروبيدجانجنوب شرق روسيا وشمال الحدود الصينية. وقد هدفت هذه المبادرة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، من أبرزها: إنشاء منطقة عازلة، وتغيير طبيعة العنصر العضوي اليهودي ليصبح عنصراً مفيداً ونافعاً عبر تحويلهم إلى فلاحين، علاوة على إنشاء أول وطن قومي لليهود مما يمثل مكسباً سياسياً للظهور بمظهر الداعم والمساند لليهود بالعالم.

ويتناول القسم الثالث من الفصل تطوّر مكانة اليهود في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي خلال التسعينيات، وهي مرحلة شهدت صعوداً غير مسبوق لهم على المستويات السياسية والاقتصادية والتنظيمية؛ فقد تمكّنوا من التحوّل من أقلية مهمّشة إلى نخبة نافذة تتحكم في العديد من مفاصل الاقتصاد الروسي، وتؤثر في مسار سياساته الداخلية. وأسهمت شبكة العلاقات الممتدة بين يهود روسيا ويهود “إسرائيل” والشتات في تعزيز نفوذهم، كما استخدموا خطاب “معاداة السامية” كأداة دفاعية وسياسية لتبرير مواقفهم وتوسيع مكاسبهم. ويُقدّر عدد الأثرياء اليهود في روسيا بـ 48 مليارديراً، 42 منهم من الأشكناز، يمثلون نحو ربع قائمة أغنى 200 شخصية في روسيا، ومن أبرزهم ليونيد ميشيلسون الذي يعمل في مجال الغاز والكيماويات بثروة تُقدَّر بـ 24.4 مليار دولار.

وناقش هذا القسم أيضاً مشاركة اليهود في النظام السياسيالروسي، حيث بلغ عدد اليهود في مجلس الدوما 20 عضواً من أصل 450 خلال الفترة 20032007، على الرغم من أنّ نسبتهم السكانية لا تتجاوز 1%. وقد فاق تأثيرهم هذا التمثيل العددي، نظراً لنجاحهم في تشكيل مؤسسات ومنظمات ذات طابع إثني ديني ترتبط بشبكات دولية عابرة للحدود، مما يجعلهم من الجماعات الأكثر تأثيراً، مثل مظلة المنظمات اليهودية العابرة للحدود، والبرلمان العالمي لليهود المتحدثين بالروسية، والبرلمان الأوروبي الآسيوي لليهود المتحدثين بالروسية، والمنتدى العالمي لليهود، حيث يصل عدد المنظمات اليهودية العاملة في روسيا إلى 600 منظمة. كما تقلّد بعض اليهود مناصب عليا في مجلس الدوما كمنصب نائب رئيس الدوما الذي شغله النائب فلاديمير زيرينوفسكي خلال الفترة 20002011. واستعرض الكتاب كذلك الأدوار التشريعية التي لعبها هذا النفوذ، من بينها الدَّفع نحوقوانين تخدم وجود اليهود في روسيا وتصبّ في صالح زيادة النفوذ اليهودي، إلى جانب تشكيل لوبي يهودي فعّال داخل البرلمان الروسي يعبّر عن مصالحهم، لم يقتصر على النواب اليهود بل شمل التأثير على نواب آخرين. كما تطرّق القسم إلى وضع إقليم الحكم الذاتي “بيروبيدجان” بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.

أما الفصل الثاني من الكتاب يتناول تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على يهود روسيا، في ضوء عودة المسألة اليهودية على الساحة الدولية من جديد خلال الحرب. وينقسم هذا الفصل إلى ثلاثة أقسام، يركّز القسم الأول على كيفية إثارة المسألة اليهودية خلال الحرب في الخطابات المتبادلة بين روسيا وأوكرانيا؛ فقد استخدم الخطاب الروسي الاتّهامات بالنّازية ضدّ الحكومة الأوكرانية ورئيسها…، بينما عبّر يهود أوكرانيا عن رفضهم للحرب، داعين نظراءهم في روسيا إلى معارضتها . كما تصاعد الموقف الإسرائيلي ضدّ روسيا متدرِّجاً بين التنديد والانتقادات الحادة إلى التلويح بدعمٍ عسكري مباشر لأوكرانيا.

أما القسم الثاني، فيستعرض تباين مواقف يهود روسيا تجاه الحرب، فمنهم القريب من الرئيس الروسي بوتين ممن يدعمون الحرب علناً، ومنهم من انتقد الحرب والقرار الروسي جهراً، وآخرين تبنّوا مواقف حيادية أو لجأوا إلى الهجرة، خصوصاً إلى “إسرائيل”. وتكشف البيانات عن مغادرة أكثر من 24 ألف يهودي روسي إلى “إسرائيل” منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في شهر شباط/ فبراير 2022، بمساعدة الوكالة اليهودية، في موجة هجرة تعكس المخاوف من التجنيد والعقوبات وخصوصاً الاقتصادية الغربية على رجال الأعمال والأثرياء الروس. ومن بين المهاجرين رجال أعمال كبار مثل رومان أبراموفيتش، مالك نادي تشيلسي الإنجليزي، والمقرب من بوتين، للتهرّب من العقوبات الاقتصادية عليه بحكم جنسيته الروسية.

ويبحث القسم الثالث يبحث في تطور الموقفَين الرسمي والشعبي الروسي من يهود روسيا بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، حيث اتّخذ الموقف الرسمي للدولة الروسية تجاه الطائفة اليهودية عدة خطوات أهمها تقييد الهجرة الخارجية، والتأكيد على الإرث التاريخي المشترك للشعب الروسي والطائفة اليهودية. أما على المستوى الشعبي، فقد تباينت التقارير حول حالات فردية لـ”معاداة السامية في روسيا، لكنها لم تتطور إلى ظاهرة مجتمعية. ويخلص الفصل إلى أنّ “إسرائيل” تظلّ عاملاً حاكماً في توجّه اليهود وانصهارهم في أيّ مجتمعات خارج “إسرائيل”؛ فهي بمثابة حائط الصَّدِّ الذي يواجه عملية الاندماج والانصهار المجتمعي، في ضوء إيجاد مفاهيم صهيونية كمفهوم الشعب اليهودي، والأمة اليهودية، التي تربط بين الدِّين والقومية والمصير المشترك.

يشكّل هذا الكتاب إضافة نوعية إلى الدراسات المعنية بأوضاع اليهود في العالم، وخصوصاً في روسيا، خصوصاً في ظلّتشابكها مع السياقات الإقليمية والدولية الراهنة. ويقدّم قراءة تحليلية معمّقة للأبعاد التاريخية والسياسية والاقتصادية التي أسهمت في نشوء هذا النفوذ وتعزيزه، مستنداً إلى معطيات دقيقة ورؤية تفسيرية. ومن خلال أسلوب منهجي يجمع بين التوثيق والتحليل، تسلّط د. هبة جمال الدّين العزب الضوء على تفاعل العوامل المحلية والدولية في رسم ملامح حضور الطائفة اليهودية داخل المشهد الروسي.

ويمثّل الكتاب مرجعاً مهماً للمهتمين بالشأن الروسي والإسرائيلي، وللباحثين في قضايا الأقليات، والنّفوذ العابر للحدود.

منقول من مركز الزيتونة للدراسات

مركز الزيتونة يُصدر كتاباً جديداً حول اليهود في روسيا ويبحث تصاعد نفوذهم ويوفِّر الفصل الأول منه للتحميل المجاني


0 ردود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

بحث




الحصول على آخر الأخبار تسليمها يوميا!

سنرسل إليك الأخبار العاجلة في صندوق البريد الوارد


© 2018 altaqarub, Inc. Privacy policy