هل أنتهي الأمل في القضية الفلسطينية ؟ - التقارب نيوز
هل أنتهي الأمل في القضية الفلسطينية ؟

هل انتهى الأمل في القضية الفلسطينية؟
محمد ثابت حسنين
باحث معهد البحوث والدراسات العربية

قراءة استراتيجية في الواقع والمستقبل
إن القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع على أرض، بل هي جوهر الصراع الحضاري والوجودي في المنطقة، تمثل بوصلة الشعوب، واختبارًا دائمًا لضمير العالم. بعد مرور أكثر من سبعة عقود على نكبة عام 1948، وبعد كل الحروب والاتفاقيات والتسويات والانقسامات، يبرز سؤال كبير يفرض نفسه بقوة: هل انتهى الأمل في القضية الفلسطينية؟ أم أن ما نمر به هو مرحلة تاريخية تسبق التحول والانفجار؟
لفهم الواقع والمستقبل، لا بد من العودة إلى الجذور: إن القضية الفلسطينية بدأت كمشروع استيطاني إحلالي مدعوم من القوى الغربية، هدفه الأساسي تفريغ الأرض من أهلها، وزرع كيان وظيفي يخدم مصالح الغرب الاستعماري. هذا البعد لم ينتهِ، بل تعمق مع تغير الأدوات. فقد انتقل الصراع من المواجهة العسكرية المباشرة إلى الحصار والتهجير والضغط الاقتصادي والسياسي، ومن الاحتلال الصريح إلى إدارة الصراع بدلًا من حله.
الفلسطينيون أثبتوا في المقابل صلابة تاريخية، حيث لم تمر قضية مشابهة في العصر الحديث واجه فيها شعب بهذا القدر من العزلة والقمع، واستطاع مع ذلك أن يصمد، ويُبقي قضيته حية.
لا يمكن تجاهل أثر الانقسام الفلسطيني الداخلي على واقع القضية. فمنذ الانقسام بين حركتي فتح وحماس عام 2007، تعمق الشرخ بين الضفة الغربية وغزة، مما أدى إلى ضعف القرار الموحد، وضياع الفرصة في بناء مؤسسات قوية تمثل الشعب الفلسطيني.
على المستوى العربي، شهدنا خلال السنوات الأخيرة تحولًا استراتيجيًا خطيرًا، تمثل في تسارع موجة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، تحت ذرائع “السلام” أو “مواجهة إيران” أو “تحقيق التنمية”. هذا التحول أضعف الدعم العربي الرسمي للقضية، وأرسل إشارات خطيرة للاحتلال بأن القضية لم تعد أولوية.
لكن في مقابل هذا الواقع، هناك وعي شعبي لا يزال حاضرًا، وقد ظهر بوضوح في احتجاجات الشارع العربي أثناء العدوان على غزة، وفي فعاليات المقاطعة، وفي المواقف العفوية الداعمة لفلسطين في كأس العالم وغيره، مما يؤكد أن الإرادة الشعبية لا تزال حاضنة للقضية رغم تغير السياسات الرسمية.
الدور الدولي في الصراع الفلسطيني لا يقل خطورة عن الدور الإقليمي. فالولايات المتحدة، الداعم الأول لإسرائيل، باتت تتعامل مع القضية من منظور أمني فقط، وتسعى لتصفية المطالب الفلسطينية تحت ما يسمى “صفقة القرن”. هذه الصفقة لم تكن مجرد مبادرة، بل محاولة لإغلاق الملف الفلسطيني نهائيًا، عبر فرض واقع جديد قائم على التنازل عن القدس، وشطب حق العودة، والتعامل مع الفلسطيني كقضية إنسانية وليست سياسية.
لكن في المقابل، بدأت قوى دولية أخرى مثل الصين وروسيا وتركيا وإيران تطرح مواقف أكثر انفتاحًا نسبيًا على القضية الفلسطينية، ليس بالضرورة بدافع إنساني، بل في إطار صراع النفوذ العالمي. هذا قد يفتح بابًا لإعادة التوازن، إذا أحسن الفلسطينيون والعرب استخدام هذه المتغيرات.
المقاومة المسلحة لم تعد الأداة الوحيدة للنضال الفلسطيني، رغم استمرارها كعنصر ردع مهم. اليوم، ظهرت أدوات جديدة لا تقل خطورة وتأثيرًا، منها:
– الإعلام الرقمي: الذي يكشف جرائم الاحتلال ويوصل صوت الشعب الفلسطيني للعالم.
– القانون الدولي: حيث تستخدم مؤسسات فلسطينية أدوات القانون الدولي لملاحقة الاحتلال.
– المقاطعة الدولية (BDS): وهي حركة أثبتت فعاليتها في الضغط الاقتصادي والأكاديمي والثقافي على إسرائيل.
– العمل النقابي والطلابي والجاليات: والذي نشهد تصاعده في أوروبا وأمريكا دعما لفلسطين.
هذا التنوع في أدوات النضال يعكس انتقال الفلسطيني من دور الضحية إلى الفاعل المؤثر، القادر على التحرك بذكاء في المشهد الدولي.
رغم محاولات تصفيتها، لا تزال فصائل المقاومة في غزة والضفة تحافظ على توازن الردع. فالمقاومة اليوم تمتلك قدرات صاروخية متطورة، وأنفاقًا هجومية، وخططًا استخباراتية تعادل قدرات الجيوش. كما أن ظهور مقاومة مسلحة عفوية في الضفة الغربية، مثل مجموعات “عرين الأسود”، يمثل تحولًا نوعيًا في فهم العمل المقاوم كحالة شعبية غير مؤطرة تنظيميًا.
ورغم الحصار، نجحت المقاومة في فرض معادلات جديدة على الاحتلال، آخرها ربط القدس وغزة في معادلة واحدة، وهو ما ظهر في معركة “سيف القدس”، حيث لم يعد بإمكان الاحتلال فرض تهويد القدس دون رد فلسطيني شامل.
يمكن تلخيص المسارات المحتملة لمستقبل القضية في ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
1. سيناريو التصفية النهائية: ويمثل الخطر الأكبر، إذا استمر التطبيع والانقسام، وجرى تقديم حلول اقتصادية للفلسطينيين على حساب الحقوق السياسية.
2. سيناريو الجمود مع استمرار المقاومة: وهو ما نشهده حاليًا، حيث لا تسوية حقيقية، لكن أيضًا لا قدرة للاحتلال على الحسم، في ظل تنامي الوعي والمقاومة.
3. سيناريو استعادة المبادرة: وهو سيناريو مشروط بإنهاء الانقسام، وتوحيد القرار الفلسطيني، وبلورة مشروع وطني جامع، واستثمار تغيرات النظام الدولي، وتصاعد التأييد الشعبي العالمي لفلسطين.
رغم خيانة بعض الأنظمة، فإن الشعوب لا تزال هي الأمل. الدور الشعبي في دعم القضية يتجلى في المقاطعة، والتظاهر، ودعم الإعلام الحر، والتأثير على صناع القرار من خلال النخب المثقفة والإعلاميين والمؤسسات الأكاديمية. كما أن القضية باتت مرتبطة الآن بالصراع مع الاستبداد، ما يجعل تحرير فلسطين مرتبطًا بتحرير الإرادة العربية.
الأمل في القضية الفلسطينية ليس مشاعر رومانسية، بل قوة استراتيجية. هو ما يبقي النضال مستمرًا، ويبقي المقاومة حيّة، ويجعل الاحتلال في حالة استنفار دائم. إن أكثر ما يخشاه العدو هو بقاء الأمل، لأنه يعلم أن القضية ما دامت حية في القلوب والعقول، فإن الانفجار قادم لا محالة.
الأمل لا ينتهي، بل ينتقل من جيل إلى جيل، ويتجدد بأساليب وأشكال جديدة، ويتغذى من عدالة القضية ووعي الشعوب. ولذلك، فإن السؤال ليس “هل انتهى الأمل؟” بل “كيف نحوله إلى خطة نصر؟”
محمد ثابت حسنين باحث معهد البحوث والدراسات العربية


0 ردود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

بحث




الحصول على آخر الأخبار تسليمها يوميا!

سنرسل إليك الأخبار العاجلة في صندوق البريد الوارد


© 2018 altaqarub, Inc. Privacy policy