عودة هتلر - التقارب نيوز

بقلم: د. هبة جمال الدين

رئيس قسم الدراسات المستقبلية بمعهد التخطيط القومي- عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية

قد يتصور البعض أنني أتحدث عن الإبادة التي اقترفها الصهاينة في حق العزل من أهلنا بفلسطين الحبيبة، كجريمة لا تقل عن المحرقة، وأنما هي الأبشع في التاريخ الحديث، ولن أتحدث عن تكميم الأفواه الذي ارتكبته الولايات المتحدة ومؤسساتها حتى عبر منصات التواصل الاحتماعي، في حق كل شريف يعترض علي الجرم الإسرائيلي في حق الإنسانية، ولكنني سأتحدث عن ترامب هتلر العصر ليس فقط لرغبته تهجير أصحاب الأرض من العزل كجريمة لا يمكن تكييفها إلا في ضوء الإبادة ، ولكن علينا أن نقرأ أجندته الاستعمارية الجديدة تجاه بنما ورغبته في ضم قناة بنما، وأن كندا ستكون الولاية 51 للولايات المتحدة الأمريكية فهو يطالب بضمها للسيادة الامريكية، وتمتد النظرة الاستعمارية إلى غزة حيث أعلن ترامب أن الولايات المتحدة ” ستسيطر على قطاع غزة”، وأنه سوف يتم إعادة توطين الفلسطينيين الذين يعيشون في القطاع في دول أخرى. فعلينا أن نقف ونتسأل هل يعيد ترامب إلى الأذهان الحقبة الاستعمارية أم أنه يتصرف بعنترية ليس لها علاقة بدولة المؤسسات؟ أم أنه مخطط له مفكريته وأدواته وترامب فقط هو المقامر الأبرز صاحب السطوة والنفوذ الذي يتصدر المشهد دون أكثر. ولماذا أصفه في مقالي بهتلر؟. تساؤلات كثيرة سأحاول أن أجيب عليها.
فإذا عدنا لبوابة التاريخ وفتحنا قبو الحقبة النازية فسنجد ملامح الاحتلال تطل علينا من الماضي؛ فقد استطاع هتلر التوسع والغزو والاستيلاء علي الكثير من الدول فاستولت ألمانيا على النمسا في عملية الضم عام 1938، وطالبت بمنطقة السوديت ثم تسلمتها من تشيكوسلوفاكيا في نفس العام. وفي مارس 1939 أصبحت جمهورية سلوفاكيا دولة عميلة لألمانيا وأُنْشِئَتْ محمية بوهيميا ومورافيا. وبعد فترة وجيزة ضغطت ألمانيا على ليتوانيا للتنازل عن إقليم ميميل. ووقعت ألمانيا معاهدة عدم اعتداء مع الاتحاد السوفيتي وغزت بولندا في 1 سبتمبر 1939 مما أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية في أوروبا. وبحلول أواخر عام 1942 امتدت سيطرة ألمانيا وحلفاؤها الأوروبيون في دول المحور على جزء كبير من أوروبا وشمال شرق إفريقيا. وكان هذا الغزو بداية نهايته.

والآن يطل علينا ترامب بنافذة استعمارية جديدة تحت مسمي الضم دون إراقة الدماء ، فهو رجل السلام كما يدعي الذي يجب أن يحصل على نوبل كما سولت له نفسه، ولكنه خلفه جيش أمريكي سيكون الأقوى في التاريخ كما ادعي في حفل تنصيبه. وهذا التبجح يدفع لاستحضار الخبرة التاريخية للنظرية العضوية للمفكر الألماني راتزل، مفكر هتلر الذي آمن بفكره وحوله لحقيقة. فعلينا أن نتأكد أن أي مستعمر لديه مفكر يسن الخطط والأفكار التي يندفع القائد نحوها . وهنا المفكر هو فريدريك راتزل صاحب كتاب الجغرافية السياسية الذي تأثر بنظرية دارون عن الانتخاب الطبيعي ،على افتراض أن الكائنات الحية تكافح من اجل البقاء ،وهذه العملية وصفها داروين بالانتقاء الطبيعي أو بقاء الأصلح وهذا ما اشتقه راتزل في نظريته عن الدولة العضوية ، حيث آمن هتلر والآن من بعده ترامب بأن الأمم لابد وأن تسعى باستمرار إلى الحصول على الغذاء من أجل اكتساب الأرض للبقاء على قيد الحياة ، بنفس الطريقة التي يسعى بها الكائن الحي إلى الحصول على الغذاء من أجل البقاء. وبالإسقاط على الدولة فإن أي أمة إذا لم تسعَ إلى الاستيلاء على أراض جديدة، فإنها سوف تخاطر بالفشل وهذا ما اسماه راتزل بـ ” المساحة الحية” باعتبار الدول والأمم الأخرى تتصرف أيضاً على نحو عضوي. وهذا أشبه بقانون الغاب ــ إما أن تأكل أو تؤكل. وزعم هتلر أن ألمانيا إذا لم تنمو بهذه الطريقة فإنها سوف تقع ضحية لبقية أوروبا والعالم في نهاية المطاف كما حدث أثناء الحرب العالمية الأولى وهذا ما يحرك ترامب الآن.

حيث يؤمن ترامب بالمساحة الحية للولايات المتحدة الأمريكية التي أعلن مبرراتها في خطاب التنصيب “المهاجرين غير الشرعيين” و”الكوارث الذي تعاني منها بعض الولايات الأمريكية مثل كاليفورنيا”، ومخطط الإبراهيمية وما سيضمن هيمنة النموذج الأمريكي كما ذكر فرنسيس فوكوياما عبر كتابه نهاية التاريخ عبر أقامة مشروعات ربط تمهد للاتحاد الفيدرالي الإبراهيمي بقبادة إسرائيل عسكري الرعب الأمريكي بالمنطقة. ومن ثم تتحقق نبوءة هرمجدون كما تدفع الماسونية والمسيحية الصهيونية الحاكمة في أمريكا سواء كان شكلها ديموقراطي أو جمهوري. فنازي الإبادة كان بايدن ونازي الأرض هو ترامب فهما وجهين لعملة واحدة رديئة.

فنازي العصر الجديد ذو الوجهة الترامبية يؤمن بنظرية اليد الطولي “الحواف الجغرافية- الحدود الأخطبوطية” للمفكرة الصهيونية إيليت شاحار الإسرائيلية زميلة الجمعية الملكية الكندية باحثة قانونية. وهي مديرة معهد ماكس بلانك لدراسة التنوع الديني والعرقي في جوتنجن. شغلت سابقًا كرسي أبحاث كندا في المواطنة والتعددية الثقافية في جامعة تورنتو. حيث تستند نظرياتها الاستعمارية مثل راتزل على فلسفة علم الأحياء والمساحة الحية القابلة للتمدد وأن الحدود السياسية متغيرة كالكائن الحي ولما لا فهى صهيونية الفكر مديرة أشهر المراكز في دراسة الجينوم البشري. وتستند أفكارها على ركيزتين الأولي التخوم والمناطق الحدودية التي تعتبرها جزء لا يتجزأ من إقليم القوى الكبرى ومناطق نفوذها الأمر الذي يتطلب تغير الخريطة ليتم ضمها للقوي الكبرى كي يحدث استقرار طويل الأجل. وهذا يفسر السلوك الأمريكي نحو كندا وبنما.

• أما الركيزة الثانية فهى اليد الطولي او الحدود العنكبوتية ففي ظل ظروف التطورات التكنولوجية والعولمة ، والضغط الملحوظ بفعل موجات الهجرة ، وتغير الروابط بين القانون والأقاليم والسيادة لابد من إعادة اكتشاف الحدود، مع أهمية التمييز بين الوجود المادي والتواجد القانوني فهناك مسافات تقع خارج أراضي السيادة مع ذلك تخضع للسلطة السيادية ، في شكل الحكم الاستعماري و الولاية القضائية خارج الإقليم. ” وهنا يمكن حل مشكلة الهجرة غير الشرعية عبر توطين العناصر الجيدة بتلك المناطق التي ستحمل علم الدولة الكبرى صاحبة النفوذ خاصة أن منهم عناصر طيبة يمكن الاستفادة منها على المدى الطويل. وهذا يفسر قول ترامب أن غزة ستصبح تحت السيادة الأمريكية دون الحاجة لجندى أمريكي فمن سيحقق المخطط هم المهاجرين غير الشرعيين ليتم نقل المكون البشري ليصبح مكون صالح يحقق الحلم الأمريكي وقد يتعرض للقتل أو الانتقام ولكنه في النهاية ليس أمريكي. ولا ننسي أن غزة ستكون مهبط الممر الاقتصادي والتي ستتضمن قاعدتيتن عسكريتين أمريكيتين لحماية الاستثمارات الأمريكية مشروعات الربط للمخطط الاستعماري الجديد . الربط الإقليمي الأبراهيمي تحت شعار الولايات المتحدة الأبراهيمية التي أعلن أن قريبا سنشهد انضمام دول أخري للاتفاقيات حتي تكون بداية لنشر عملاء التطبيع بشكل شرعي ومدخلا لتزييف الدين تحت رعاية سياسية لاحلال هوية احلالية للهوية العربية والوطنية والدينية ليتم احلالها بالهوية الابراهيمية لتيسير مرحلة حكم إسرائيل بالاتحاد الإقليمي الفيدرالي علي انقاض الدول العربية وإيران فالاتفاقيات هي مجرد البداية ليظهر كل شيء شرعي ثم يأتي التفتيت تمهيدا للاتحاد الفيدرالي الأبراهيمي الصهيوأمريكي. وتوظف شاحار نظريات التهجير في إطار جيني يروج لمفهوم الوطن الجيني بأعتبار أن أقرب جينات للشعب الفلسطيني بغزة هم المصريين و الاردنين خاصة مواطني الضفة وفقا لدراسات معهد ماكس بلانك.

ولابد ان نعي أن غزة ليست الإقليم الوحيد المطروح لتطبيق نظرية المساحة الحية أو اليد الطولي فهناك دول عربية ابراهيمية ذات سيادة مرشحة وفقا لخرائط العديد من مراكز الفكر الأمريكية مثل American enterprise institute.

ولكننا لابد ان نعي أن راتزل قاد هتلر لحتفه وهذا ما ستقوده شاحار لترامب والولايات المتحدة المشؤومة التي لا تري أن العالم لا يتسع إلا لها ولعسكري المنطقة الأجبن “إسرائيل” الذي لا يحارب ولكن يتأمر ويجند ويتجسس ولكنه يجبن ويتقهقر في المعركة ولم يتنصر لا على حماس ولا حزب الله وأنما الخيانة والعملاء هي سلاحه الأول والأخير.

وكان نهاية هتلر نتيجة أغفاله أن للكون رب يحميه ولم يدرك صعود قوى أخرى مناوئة ولم يعي بوجود أسلحة تكنولوجية جديدة تهزم المجد العسكري الألماني فأخذه غروره للهاوية. وهذا ما سيحدث مع المتجبر الأمريكي فللكون رب يحيمه وللدين جنود في الأرض والأوطان يزود أهلها عنها فكفاح أهل غزة هو صورة للعقيدة الوطنية عند شعوب المنطقة فلتقرأوا التاريخ، والولايات المتحدة تهزم بين الحين والآخر سيبرانيا وبين الساحات ووحدتها سيأتي الخلاص والهاوية للأمريكي والصهيوني الذي لا يقرأ ولا يفهم ما يقرأ له. وعلينا قرأة واستشراف المستقبل عبر بناء العقول وامتلاك الأدوات التي ستزيد من قوة وحدة الساحات فالمقاومة باقية دون لون أيديولوجي أو طائفي وأنما الحق له جنوده والظلم دوما نهايته في غروره وغطرسته. وسنشهد قريبا نهاية الغطرسة الصهيوأمريكية ولن ينتظروا هرمجدون المصطنعة كما يحلمون.


0 ردود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

بحث




الحصول على آخر الأخبار تسليمها يوميا!

سنرسل إليك الأخبار العاجلة في صندوق البريد الوارد


© 2018 altaqarub, Inc. Privacy policy