التطبيع ومعركة رشيد
بقلم
د هبه جمال الدين
رئيس قسم الدراسات المستقبلية بمعهد التخطيط القومي عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية
سطرت قصة كفاح شعب مصر قصة المقاومة الباسلة لأهالي مدينة رشيد أمام حملة فريزر ١٨٠٧ ، كيف استطاعت مدينة صغيرة هزيمة حملة عسكرية مسلحة ومدربة ومجهزة بأفضل جنود القوي الاستعمارية الأولي بالعالم آنذك.
وباستحضار التاريخ تأتي العبر والدروس، فالدرس الذي استرعاني ليس المهارة القتالية للشعب المصري، ولا براعة التخطيط والحنكة الاستراتيجية، ولا الوحدة الوطنية واللحمة الشعبية،، وأنما غياب الخونة والوشاية الطابور الخامس ، رغم سهولة ذلك إن وجدت تلك النفوس المسمومة ، ولكن الخونة لم يكن لهم مكان أو محل.
فمعركة رشيد بنيت علي حيلة عسكرية من محافظ رشيد البطل المغوار على بك السلانكى ، حينما بدأ برفع الوعي وشحذ الهمم بخطابه في أهالي المدينة ورفضه لهم الخزي والعار بالهزيمة والاستسلام وجهز ساحة المعركة،
فأمر بإبعاد المراكب المصريه من أمام شاطئ النيل برشيد إلى البر الشرقي المقابل عند الجزيرة الخضراء ، وبرج مغيزل بمركز مطوبس، لمنع الأهالي من ركوبها والفرار من المدينه، حتى لا يجد رجال حاميته وسيلة للارتداد أو الاستسلام أو الانسحاب
وطلب من الجميع الدخول للمنازل ،وألا يبدون حركة أو أي ملمح من ملامح الحياة ،وبمجرد أن دخل الانجليز المدينة استشعروا أنها بلا شعب وغرهم جمال الطبيعة وبدأوا يلهون في الطرقات وينتزعون حلتهم العسكرية ليأخذوا قسطا من الراحة وبمجرد ما تأكد الشعب المصري من ذلك أنقض المارد علي المحتل يقطعه أربا والتحم كل الشعب رجالا ونساءا وشيوخا واطفالا .
وكانت النتيجة أن بلغت خسائر الإنجليز 185 قتيلاً و 282 جريحًا و 120 أسير من اجمالي ٧٠٠ جندي.
وهنا نقف أمام عبرة مهمة فمحافظ رشيد قد ارسل العيون والبصاصين؛ ليعلموه بلحظة قدوم الجيش الانجليزي
للمدينة لتبدأ ساعة الصفر،، هنا علينا أن نتساءل ألم يستطع البعض التواصل مع المحتل ، وافادة الحملة الغازية بالخطة فلن يكون عليهم رقيب إلا الله ،
ألم يفكرون في انفسهم كيف لمدينة صغيرة الصمود أمام جيش مدجج، وهم يمكنهم الفرار والنجاة بأنفسهم وكذلك الحصول علي الأموال والدعم من قبل المحتل.
ومع تلك الاعتبارات جميعها لم يستسلم لها الشعب الباسل ، رغم أنها ذات الاعتبارات التي هزمت المنطقة الان وجعلتنا نتخاذل في دعم غزة والمقاومة
واليوم لن اتحدث عن غزة ، ولكن عن المدن والقري الصغيرة التي تلوح بشأنها مراكز الابحاث الأمريكية وتذكر ان مستقبلها هو التفتيت والانفصال تمهيدا لضمها للاتحاد الفيدرالي الجديد بقيادة الصهاينة “ الدولة الإبراهيمية المزعومة من البحر للنهر”.
فكيف يمكنها الصمود كمدينة رشيد في ظل واقع مرير من العمالة لبعض الصهاينة ، تخت مسمي التطبيع أليس المطبع قد تخلي عن ثوابت وركائز الوطنية، وتناسي الدماء المراقة والنساء الثكلي وبشاعة جرائم العدو، ، وكراهيته المقيتة لبني وطنه وخططه الاستعمارية لها
وقرر المنفعة الذاتية والاضواء والأموال ، مقابل أن يفتح نافذه للعدو للعبور والنفاذ والتجنيد والحصول علي المعلومات،
فلنستحضر مشهد رشيد هل اذا كان هذا المطبع موجودا في صفوف الشعب الباسل هل كانت رشيد ستنجح في هزيمة المحتل ، أم أنها كانت ستقع في الأسر ، وينكل بأهلها ويقتل رجالها وتستحل نساءها وخيراتها.
نعم ستأتي الإدارة الأمريكية الجديدة لتغير شكل المنطقة ، ولكن لن تستطع تغير نفوسنا ، ومواقفنا ولن يمكنه أن تقضي علي الملايين ، إلا بالخيانة والعمالة والتطبيع. ، فقد جاءت حملة فريزر في ظل ضعف وتناحر بين محمد علي باشا والمماليك وبدعم محمد بك الالفي ، ولكن ذلك لم يؤثر في عزيمة أهل رشيد، فلم يكن بينهم مطبع عميل خائن.
فلم يعد التطبيع نزهة علمية او معرفية او اقتصادية ، وأنما هو خنجر بالظهر طابور خامس مجيش بداخل مؤسساتنا يزحف ببطيء ليلتهم ويلدغ وينشر السم ،ولن يهتم بدين او انسانية ولن تصمد أمامه قومية او هوية او وحدة.
اوقفوا العمالة ، لا مجال للمطبعين، انزعوا الخنجر المسموم قبل فوات الأوان.