الدكتور أشرف الصباغ يكتب: ماذا يحدث في فرنسا، وماذا تريد روسيا والولايات المتحدة من أوروبا؟!
لأول مرة، في الفترة الأخيرة، يتفقالأمريكان والروس على شيء.
لا شك أن تمسك ماكرون بإنشاء جيشأوروبي موحد أثار قلق الولايات المتحدة، على الرغم من أن ألمانيا هي التي أعلنت عنهذه الفكرة قبل فرنسا. ولكن كان من السهل إثارة “الهوامش” في فرنسا،خاصة وأن إجراءات الحكومة فيها كانت متهورة، حيث عوَّلت على كسب موقع متقدم فيالقاطرة الأوروبية التي باتت تتكون من ألمانيا وفرنسا بعد خروج بريطانيا منالاتحاد الأوروبي.
روسيا ترحب وتشجع إقامة جيش أوروبي
موحد، لأن ذلك سيضعف حلف الناتو وسيثير الكثير من التناقضات بين أوروبا والولايات
المتحدة من جهة، وسيدق الكثير من الأسافين والتناقضات في الصف الأوروبي نفسه من
جهة أخرى.
وفي الحقيقة، فروسيا بداية من عام
2012 ترصد مبالغ ضخمة لتنفيذ خطط وسيناريوهات في الداخل الأوروبي، وفي دول كثيرة
في الشرق الأوسط، تهدف إلى إحداث هزات في المجتمعات الأوروبية ضد حكوماتها من جهة،
وضد هيمنة الولايات المتحدة من جهة أخرى، بينما هدف الخطط والسيناريوهات الروسية
في المنطقة العربية هو دعم الأنظمة الاستبدادية من أجل تشجيعها على الخروج من تحت
مظلة الولايات المتحدة وإفساح المجال لروسيا.
وفيما يتعلق بالأحداث في فرنسا،
فإن وكالة “بلومبرج” أعلنت، على لسان وزير الخارجية الفرنسي “جان
إيف لودريان” بأن الاستخبارات الفرنسية تحقق حاليا في شبهة تدخل روسي محتمل
في احتجاجات “السترات الصفراء”.
أما الإستخبارات الأوكرانية فقد
حمَّلت موسكو المسؤولية عن إثارة الاحتجاجات في باريس، وقال مدير الإستخبارات
الأوكرانية “فاسيلي جريتساك” إن “الحدود الدولية لا تشكل عقبة أمام
العدوان الروسي بمختلف أشكاله. فالكرملين يدمر استقرار أوروبا بأساليب قذرة، لأنه
يرى فيه تهديدا له”.
هذا التصريح جاء تعليقا على نشر
صورة اثنين من النشطاء، خلال أحداث باريس، يحملان علم المسلحين الموالين لروسيا في
جنوب شرق أوكرانيا، وهو علم “جمهورية دونيتسك الشعبية” المعلنة من طرف
واحد.
وظهر في تلك الصورة “سورلين
فابريس”، وهو محلل سياسي من مركز كاتيخون الروسي للدراسات، المعروف بمقالات
موالية لدمشق وطهران وموسكو، ويترأسه رجل أعمال مقرب من بوتين ومن الكنيسة
الروسية. أما الشخص الثاني، فهو “كسافييه مورو”، الحاصل على الجنسية
الروسية عام 2013، وعضو في منظمة اجتماعية تسمى “شرق فرنسا متضامن مع
دونباس” (منطقة جنوب شرق أوكرانيا، التي تشهد مواجهات مسلحة بين المسلحين
المدعومين من موسكو، والقوات الأوكرانية).
وذكر بيان للإستخبارات الأوكرانية
بأنه “الكثير من المؤتمرات تجري على الأراضي الروسية، وبتنظيم وتمويل مباشرين
من جانب الإستخبارات الروسية، مثل “مؤتمر قادة القوى اليمينية في
أوروبا”، وإجتماع “الاتحاد الثوري العالمي”، حيث يقوم أصحاب فكرة
“العالم الروسي”، مثل “ألكسندر دوجين” و”سيرجي جلازيف”
وغيرهما، بتلقين الضيوف الأجانب نظرية “الإطاحة عبر العنف بالديمقراطية
الأوروبية”.
وأشار بيان الإستخبارات الأوكرانية
إلى أن “اليمنيين المتطرفين”ينشطون برعاية مباشرة من هيئة الأمن
الفيدرالي وجهاز الإستخبارات الخارجية الروسي”.
من الواضح أن أوروبا عموما،
والحلقات الأضعف فيها على وجه الخصوص، تتعرض لأكبر حملة تهديد واسعة النطاق منذ
الحرب العالمية الثانية، موجهة من جانب قوتين عسكريتين نوويتين، هما الولايات
المتحدة وروسيا. الأولى، تريد تدجين أوروبا تماما والسيطرة على مقدراتها المالية
وطاقاتها الكامنة، والثانية توجه تهديدات عسكرية مباشرة لأوروبا لفصلها ليس فقط عن
الولايات المتحدة، بل وأيضا لفصلها عن طريق تطورها وعن منظومة قيمها التى دفعت ثمنها
غاليا.
وإذا شئنا الدقة، فإدارة الرئيس
ترامب تشترك أيضا مع روسيا فى النقطة الأخيرة المتعلقة بتدمير منظومة القيم
الأوروبية، ودفعها إلى طريق أشبه بالتبعية والشعبوية التى تتعارض مع منظومة القيم
الأوروبية العامة ومنجزها التاريخى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وبالتالى، ففكرة إنشاء جيش أوروبى
موحد قد تكون فى ظاهرها عسكرية – دفاعية، ولكنها من جهة أخرى قد تكون من أجل
الحفاظ على منظومة قيم إنسانية وقانونية وإبداعية تتعرض لضربات خطيرة وممنهجة من
قوى عسكرية نووية تتصارع على مناطق النفوذ وتصريف التراكمات المالية وفوائض القيمة
وتسعى للسيطرة على مصادر الطاقة وطرق نقلها وبيع أكبر قدر من الأسلحة، واضعة نصب
عينيها نشر الفوضى والشعبوية وإشعال الحروب واستقطاب التنظيمات المتطرفة
و”تخزين” المزيد من الأموال، على حساب شعوب الحضارات القديمة ومنظومة
القيم الأوروبية.
هذا الكلام أعلاه، مجرد تصور، لا
يمكنه أن يتعارض مع وجود أخطاء وجرائم أوروبية فادحة ترتكبها الحكومات الأوروبية
ضد شعوبها، تساهم في إعاقة أوروبا والقضاء على المنجزات الاجتماعية والقانونية
والإنسانية للمجتمعات الأوروبية. ولا يتعارض هذا الكلام أيضا مع كون أوروبا إحدى أذرع
النيوليبرالية وتشارك كتكتل سياسي ومالي واقتصادي، القوى الرأسمالية الأخرى، وعلى
رأسها الولايات المتحدة وروسيا والصين، التي تعبث بمصير شعوب الأرض تحت مسميات
خادعة مختلفة، وتسعى لترسيم منظومة عالمية جديدة ما بعد نيوليبرالية تتقاسم فيها
مناطق النفوذ.
-
العمل في روسياروسيا ليست من أسهل الدول للحصول على فرص عمل بالنسبة للأجانب، لكن النجاح في الحصول على العمل في روسيا يتوقف…
-
-