فلتنعموا بصحبة الشيطان: من إيران والأردن مرورا بالصلاة الإبراهيمية وصولا للتطبيع الاكاديمي
بقلم: د هبة جمال الدين مدرس العلوم السياسية، بمعهد التخطيط القومي- عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية
قد يجد القارئ أن العنوان يتناول متناقضات لا ترتبط معا، ولا يمكن الجمع بينها وبين بعضها البعض فما دخل ايران بالصلاة الإبراهيمية وما علاقة ذلك بأحداث الأردن، وهل لذلك علاقة برغبة ضعاف الأنفس في التطبيع على المستوى الاكاديمي ممن يوهمون أنفسهم بأن العلم والمعرفة ليس لهما علاقة بالاعتبارات الأمنية والسياسية. وما علاقة ذلك بصحبة الشيطان ووصف ذلك بالنعيم الزائف.
هنا سأبدأ بفك الشفرة، ولكن عبر طرح عدد من التساؤلات الأتية:
- هل سمعت عن بعض الأصوات العربية السعيدة بضرب إسرائيل للمفاعل النووي الإيراني؟ هل تعي توقيت الضربة أم أن التشفي عمى العقل عن التدبر؟
- هل أطلعت عن بعض الأخبار التي تم تسريبها عن بعض المتورطين بأحداث الانقلاب الفاشل في الأردن بان منهم من قام بشراء أراضي بأسماء اليهود بالأردن لذا تم حبسه؟ الأمر الذي يطرح تساؤلا كبيرا كيف يمكن لأيادي عربية أن تخون أوطانها من أجل حفنة أموال ألم يدركوا أن الاستيطان في فلسطين بدأ بشراء الأراضي واغتصابها؟ هل عمتهم الأموال عن فهم وربط التوقيت؟
- هل قرأت تصريحات رئيس وزراء قطر الأسبق حمد بن جاسم أن سبب الأحداث بالأردن هو استكمال المخطط الإبراهيمي؟ هل تعي ما دلالة هذا التصريح؟
- هل شاهدت الصلاة الإبراهيمية المزعومة التي بدأت بدعاء غريب تم تأليفه في مشهد غريب بحضور اتباع الأديان الأكثر انتشارا في العراق؟ وما دلالة اختيار العراق والمرجعية الشيعية ومدينة أور؟ ومنذ متي تتحدث الفاتيكان باسم مسيحي الشرق الأوسط في ظل الخلافات الكبيرة بينها وبين الكنائس الأكثر انتشارا بالدول العربية؟
- هل شاهدت يا سيدي أكاديمي عروبي يقبل بالاجتماع مع إسرائيليين بحجة الساحة الافتراضية التي يدور في كنفها الاجتماع أو التدريب بحجة المعرفة والاستفادة، مستخدما عبارات صهيونية في تبرير مواقفه؟ هل لم يدرك مغزى المساعي الإسرائيلية المكثفة حاليا من التطبيع على المستوى الاكاديمي والفني والشعبي أم أن بريق السفر والمال عمى أعينهم فضلوا؟
كل ما ذكرته يدور في كنف واحد للأسف، ألا وهو المخطط الإبراهيمي الاستعماري الجديد، أرض إسرائيل الكبرى من النيل للفرات وتهيئة قوى شعبية داعمة ومساندة للقبول الشعبي بحكم إسرائيل عبر مخطط “الولايات المتحدة الابراهيمية” وما يسير في دربه من مسار سياحي “مسار إبراهيم” الذي سيكتمل باكتمال اتفاقيات السلام الابراهيمي المزعومة مع دول الخليج وخضوع ايران ليصل المسار إلى 5000 كم ثم يتم اعلان تدويله في إطار ما يسمى بـ “الأرض الإبراهيمية العالمية المشتركة”
- ضرب اسرائيل للمفاعل النووي الإيراني، وزيارة المرجعية الشيعية:
إيران هى الفصل الأخير في اكتمال مخطط مسار ابراهيم وكذا الولايات المتحدة الإبراهيمية، فزيارة المرجعية الشيعية كان رسالة للشيعة كما حدث مع المعسكر السني بوثيقة الأخوة الإنسانية مع الأزهر الشريف، فاختيار الأزهر والمرجعية بالنجف لمعان مهمة. فلكلاهما دور روحي مهم فهما أقطاب مذهبية قوية خلاف ايران أو الوهابية بالسعودية التي ينظر إليهما البعض كمشروع سياسي. وكلاهما نظرا لبعد التسامح مؤكدين على دعمهما للقضية الفلسطينية، ولكن المغزى كان التوظيف السياسي لهما من قبل الجانب الآخر لدعم الإبراهيمية عند قطبي المذهب السني والشيعي والترويج لها وهذا ما تم عبر صلاة الكورونا في 14 مايو 2020 بين الأزهر والفاتيكان، ثم الصلاة الإبراهيمية في العراق بحضور رموز شيعية كبداية للحوار الشعائري والشعائر المشتركة بين كل منهما. ليلي الصلاة بداية لاحتواء ايران كما حدث مع المعسكر السنى الذي أخذ يعقد السلام الإبراهيمي دولة تلو الأخرى. دون الوقوف والتدبر في التسمية ودلالاتها وما يصاحبها من مخططات دفينة.
هنا ما علاقة ضرب المفاعل بالصلاة، أن دخول ايران للمخطط سيحدث عبر طريقتين أما أحداث مراجعات فكرية (تجعلها تقبل بزيارة البابا الذي رفضتها من قبل) أو بالقوة واسقاط الدولة الإسلامية التي تستند قوتها بالأساس على مشروعها النووي. الأمر الذي تم بأيادي إسرائيلية معلنة عن ارتكابها للضربة متباهية بذلك ليلي الضربة وقوف نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال مع وزير الدفاع الأمريكي لتعكس رسالة لإيران والدول العربية قاطبة بان الإبراهيمية مقابل القوة والسلاح بمباركة أمريكية داعمة.
لذا أتعجب من النفوس المريضة التي فرحت بضرب الشيطان لإيران ليس دعما لإيران ولكن حفاظا على بقائنا جميعا فجميعنا في سلة واحدة.
- أحداث الاردن واستكمال المخطط الابراهيمي:
يخطئ من يتصور أن السلام الإبراهيمي المزعوم هدفه تصفية القضية الفلسطينية، وإنما استكمال المخطط الإبراهيمي الذي يمثل طوق نجاة للأفعى للوصول لمخطط أرض إسرائيل الكبرى من النيل للفرات، في ظل تعنت إسرائيلي رافض لترسيم حدودها رغم السلام والتسامح والأخوة الإنسانية المزعومة بينها وبين محيطها العربي الذي من المفترض أنه بالاتفاقيات الجديدة لم يعد رافضا لها، خاصة في إطار حرصها على تضمين التطبيع الشعبي كأنشطة متضمنة نصا في وثائق الاتفاقيات الموقعة بينهما.
فما اقصده من تلك العبارة أن أحداث الأردن تقضي بزعزعة استقرار الأردن تمهيدا لتفتيته ثم ضمه بحجة أنه أضحى دولة فاشلة لكي تلتهم الأفعى الدول المطبعة الجديدة وتتوسع بلا حائل أو مانع.
فتصريح حمد بن جاسم وقبلها تداول بعض الأخبار عن قيام بعض المتورطين بالانقلاب في شراء أراضي باسم اليهود بالأردن ما هو إلا بداية لتصفية الأردن على نهج قيام إسرائيل.
لذا أي شيطان تتعاونون معه، فلتنعموا بدفء الشيطان إذا ولتنتظركم لعنة السماء.
- المد الإسرائيلي لحث الاكاديميين العرب على التطبيع عبر الساحات الافتراضية:
أن التمهيد لقبول إسرائيل يسير عبر الجانب الروحي وخرافة الصلاة الإبراهيمية التي قد يتأثر بها ضعاف الدين. الأمر الذي قد يفند عبر الاكاديميين عقول المجتمعات العربية الأمر الذي يتطلب غزو فكري وربط مصلحي وتوريطهم عبر ساحات افتراضية فرضتها الكورونا على الجميع بحجة الرغبة في المعرفة والتعلم والادعاء بالجهل العربي والفشل مقابل التفوق الإسرائيلي المزعوم. ليقبل ضعاف النفوس على الارتباط والتورط أملا في فتح أفاق جديدة لهم نظرا لعدم حصولهم على ما تطلعوا إليه من قبل. فيزين الشيطان لهم التعاون على حساب الثوابت والمرتكزات مستخدمين عبارات صهيونية ليقنعوا بها الشباب الصغير الذي يفتقد الخبرة والدراية. مثل لماذا ترفضون إسرائيل وتقبلون بالصين رغم ما يحدث مع الإيجور، ولماذا تقبلون السفر في مطارات تسمح لشركة العال بالسفر خلالها وترفضون حضور اجتماعات افتراضية مع إسرائيليين. يالها من عبارات ساذجة تدل على خلفية صهيونية مريرة وتطرح تساؤلات حول الدوافع الفردية لهم. أفيقوا أن التعاون مع الشيطان لا يوصف حتى بالمجد الزائف.
ولابد أن تعوا أن ما يحدث هو حملة منظمة بدأت بتقرير صادر عن معهد واشطن للشرق الأوسط لرفض الاحتفالات بحرب أكتوبر وحث الشعب المصري على التطبيع، تلاها أزمة الممثل المصري مع المغني الإسرائيلي، والان ما يحدث مع بعض مؤسساتنا العلمية بحجة الرغبة في العلم والمعرفة . أن المعرفة توجد في كل مكان وبعيدا عن الكيان الصهيوني الذي لم يسطع أن يحقق ما يربوا إليه حتى الأن.
أفيقوا قبل فوات الأوان فالأمر يتطلب :
- إصدار كل من المرجعية الشيعية والأزهر الشريف لفتوى تفند الإبراهيمية حفاظا على مكانة كل منهما فالأمر لا يجب أن يقف عند دعم القضية الفلسطينية
- دعم الدول العربية لبعضها البعض ورفض مشروعات الربط الجغرافي مع إسرائيل إلا بترسيم الحدود
- رفض الصلوات المشتركة وتغير مسمى الأديان
- رفض التطبيع بمختلف مجالاته الفنية والأكاديمية والشعبية طالما لم ترسم إسرائيل حدودها ولم تعيش بسلام عبر إعطاء الدولة الفلسطينية لحقوقها على حدود عام 1967، و الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة بسوريا ولبنان
- أهمية الحوار السنى الشيعي حتى وإن بدأ بين الأزهر والنجف بعيدا عن الإبراهيمية حقنا للدماء العربية والمسلمة
فلتعوا جميعا أن بقائنا جميعا مرهونا بثوابتنا وقوميتنا وعروبتنا وحفاظنا على أمننا القومي . حمى الله مصر والأردن وفلسطين وكل الدول العربية والإسلامية