الرسائل الكامنة في أفلام الكارتون
أفلام الرسوم المتحركة وجيل زد: بين
الرسائل الكامنة والسياسات الممكنة
إعداد: د. هبة جمال
رئيس قسم الدراسات المستقبلية
معهد التخطيط القومي، وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية
بلغ عدد أعضاء جيل زد عام 2019 2.47 مليار نسمة من إجمالي 7.7 مليار نسمة إجمالي سكان العالم، أي ما يعادل ربع عدد سكان العالم مما يقتضي الاهتمام بهذه الفئة السكانية ودراستها. وقد اختلفت الأدبيات في تحديد بداية ونهاية الجيل زد Generation Z، لكنه هو الجيل الذي يلي جيل الألفية. ولا توجد تواريخ محددة لبدءوانتهاء هذا الجيل، فيرى الباحثون وعلماء الديموغرافيا أن مواليدمنتصف عقد التسعينات إلى منتصف عقد الألفين نقطة بدء الجيل،ومواليد أواخر عقد الألفين إلى منتصف عقد الألفين وعشرين نقطةانتهاء له، وهناك من يعتبر أنه ممتد حتى الأن. إلا أن أبرز ما يميزهذا الجيل هو استخدامه الواسع للأنترنت من سن مبكرة. فأبناءجيل زد عادة ما يكونون متكيفين مع التكنولوجيا، ومتفاعلين علىمواقع التواصل الاجتماعي بشكل يمثل جزء رئيسي من حياتهمالاجتماعية.
وكما كان الاختلاف في تحديد التعريف، كان الاختلاف في تحديد السمات والخصائص المميزة لهذا الجيل عن سلفه من الأجيال الأخرى. إلا أن أغلبها أتفق في عدة خصائص وسمات رئيسة:كاحتراف التقنيات التكنولوجية الحديثة والمتقدمة، وتفضيل أنظمة تكنولوجية شبيهة بالإنسان تحاكي وتعكس التجارب الإنسانية الحقيقية بدقة متناهية. والنفاذ لشبكة المعلومات الدولية بشكل غير محدود ماهرا تقنيا. كما أنه منفتحا وصادق المشاعر، فالمشاعر مدمجة بالمعلومات فلا يعتبر أبناء الجيل المعلومات مفيدة إلا إذا كانت تنطوي على المشاعر، كما أنه مستقل يعتمد على نفسه. فأعضاء الجيل زد أكثر تنوعًا عرقيًا من أي جيل سابق ، وهو الجيل الأكثر تعليما حتى الآن. فأعضاء هذا الجيل هم مواطنون رقميون لديهم ذاكرة قليلة أو معدومة عن العالم كما كان قبل الهواتف الذكية.
مع هذه السمات التي تميز هذا الجيل عن سواه من الأجيال السابقة له، تبلورت وتطورات أفلام الرسوم المتحركة لتحاكي هذه السمات، ولكن عبر إرسال رسائل معينة تستهدف هذا الجيل بعضها له سمات إيجابية محمودة، والأخر يحمل رسائل سياسية أو فكرية موجهة من قبل الدول الممولة والمنفذة لتلك المواد الفيلمية.وقد تخطت تلك الرسائل في بعض الأحيان القيم الثقافية، لتصل لرسائل استعمارية؛ تستهدف تهيئة جيل جديد يقبل بالمخططات الجديدة التي ترسمها بعض مراكز الفكر العالمية والغربية في هذا السياق.
في هذا الصدد، تتناول الورقة مجموعة من الرسائل المستهدفة من قبل الرسوم المتحركة بعضها إيجابيا والأخر سلبيا، ويتم تقديم تلك الرسائل عبر تفنيد المتناقضات من القيم المستهدفة التي تحاكي خصائص هذا الجيل. للوصول لعدد من السياسات المهمة للمجابهة أو لتقليل الأثار السلبية وتعظيم الفائدة:
أولاً: الرسائل الكامنة بالرسوم المتحركة:
تتضمن ثماني رسائل رئيسة تجمع بين الإيجابي ونقيضه السلبي وتتوائم مع سمات وخصائص جيل زد.
1) التقنيات الحديثة للذكاء الاصطناعي مدخلا للسعادةمقابل استخدامها في المعارك الظلامية:
استطاعت أفلام الرسوم المتحركة الترويج للتقنيات الحديثة للذكاء الاصطناعي والحوسبة التكنولوجية المتقدمة، بل وعرض أحيانا تقنيات أكثر تقدما قد تكون مازالت في طور التبلور والتطوير، مثل الكارتون الياباني “دورايمون” الذي يعرض كل حلقة لتقنية جديدة متطورة مثل الطابعات ثلاثية ورباعية الأبعاد، الطائرات بدون طيار “الدرونز”، الروبوتات، وتقنيات التعرف على الوجه، وغيرها من الابتكارات الحديثة التي تجعلها مقربة ومحببة إلى النفس. فصديق البطل روبوت على شكل قطة متكلمة ذات ذكاء يحاكي الذكاء البشري وأحيانا يفوقه أيضا. ويجعل الفيلم من التقنيات الحديثة سببا للسعادة بل والتماسك الأسرى؛ فكلما تحدث مشكلة بين الطفل البطل وأسرته تساعده التكنولوجيا في رأب الصدع الأسري،وحينما تقع الأسرة في مشكلة يكون الحل لدي الطفل بفعل نصيحة القطة الآلية التي تمتلك التقنيات الحديثة والمتطورة.
كما أن هناك مواد فيلمية أخرى تطرح إشكاليات حديثة ومتطورة مازالت في طور النقاش العلمي، ولكن قدمتها هذه الأفلام وكأنها أمرا واقعا كإشكالية زواج الانسان الآلي من البشر، وتمتعه بالذكاء العاطفي، وتبادله للمشاعر والأحاسيس. ويمكن تفسير ذلك لتهيئة هذا الجيل لحدوث الأمر مستقبلا لقبوله بل وتطبيقه.
وفي الوقت ذاته، نجد أفلاما أخرى تستخدم التكنولوجيا الحديثة في أفلام تأمرية، تبث قيم هدامه لمحاربة أو لدعم ما يسمي بـ “العالم السفلي” الذي نعرفه بأنه عالم الجن، فنجد كارتون “المنقذ والأليات“يتحدث عن محاربة العالم السفلي عبر الآليات كالروبوتات والاسلحة المتقدمة، في حين نجد أفلاما أخرى ترى أن التكنولوجيا الحديثة هى مدخلا لدعم العالم السفلي ووصفه بأنه عالم الحب والتسامح والعدل مثل كرتون “السندباد والمجرات السبعة“، ويتم خلالها الحديث عن شخص يسمى بـ “أبو عين واحدة” فهل المقصود به المسيخ الدجال، فيقدم على اعتبار أنه سبب قوتهم وابتكاراتهموأنه صاحب الفضل. وهناك كرتون آخر يتحدث عن شخص يسمي بــ “لوسيفار” أي الشيطان فيلقبه كرتون “رحلة الظلام” باسم “سيدنا”، وأنه السيد صاحب الفضل سيد الظلام والعالم السفلي مثل كرتون “عالم الظلام” وكرتون “رحلة المخاطر” فمثل هذه الأفلام هى مواد ترويجية لمعارك نهاية العالم التي ستجمع بين التكنولوجيا والأسلحة التقليدية والترويج لما يسمى بالعالم السفلي والشيطان والدجال لصبغهم بصبغة إيجابية، فهذا يتقاطع مع أفكار الماسونية والحديث عن نهاية العالم. خاصة أن الحديث عن أبو عين واحدة أصبح يروج له في العديد من الأفلام التي تتحدث عن الأشباح الطيبون مثل أفلام مصاص الدماء وعالم الاشباح مثل فيلم “شركة المرعبين المحدودة”؛ ودائما يظهر صاحب العين الواحدة بأنه شخص طيب صاحب دم خفيف، ومقبول ويحارب الشر، ولا يكون هو البطل فدائما هو الشخص الثاني في العمل الدرامي. هنا تجدر الملاحظة فمثل تلك الأعمال تكسب تلك الشخصيات المسحة المقبولة،مستغلة ميزة جيل زد بأنهم عاطفيون لا يتقبلون المعلومات، إلا وهي ممزوجة بالمشاعر كرسالة اتصالية للترويج لنهاية العالم ومعركة هرمجدون التي تحدث عنها بعض الأفلام صراحة كفيلم “عائلة سيمبسون”.
2) المعاناة مدخلا للبؤس والتشرد مقابل المغامرات والاستكشافات:
تعرض أفلام الكارتون لأفكار بعضها متناقضة، ففي حين تتحدث عن قصة البؤساء وما قد تسببه من احتراق نفسي للأطفال بل وكبار السن، وتنتهي بنجاح البؤساء ولكن النجاح لا يتم الاهتمام به عبر المدى الزمني الذي يخصص للنهاية السعيدة، مقابل استعراض للألم والعذاب والموت والضياع والفقر والجوع مما يتسبب في احتراق نفسية الاطفال خاصة مع مشاهد الموت والفقد والبؤس. نجد أفلاما أخرى تعرض للمغامرات والاستكشاف وتوازن بين التحدي والانتصار، بل وتنشر معلومات مفيدة خلال رحلات الضياع “كمسلسل مغامرات فيونا”، الذي يحكي عن أسرة غرق القارب الذي كانت تستقله للوصول لأستراليا، لتصل لجزيرة مهجورة، وتبدأ في التغلب على الضياع والخوف، وتبني منزلا ومزرعة انتاجية وتبدأ بالتصنيع البدائي، ولكن تشرح وتقدم معلومات جيدة ومفيدة مغمورة بمشاعر أسرية حالمة. فنقف أمام هذان النوعان من الاعمال الكرتونية لتعكس مفهوم الأمل، وتدعم نفسية الأطفال وتصدر قيما إيجابية مرغوبة.
3) القبول بالأخر والتنوع مقابل الترويج للمثلية الجنسية:
في ظل اتسام الجيل الجديد بالتنوع العرقي والانفتاح ودعم الأقليات وقبول الأخر، قدمت أفلام الكرتون لرسائل تدعم التنوع والتعدد والتعايش كأفلام الغابة مثل سيمبا الذي يتحدث عن التعايش في مجتمع من الحيوانات المختلفة كل له دوره ووظيفته، وزفاريا المسلسل الكرتوني اليومي الذي جعل الحيوانات تستبدل ألوانها المميزة لها بين بعضها البعض ليؤكد إمكانية قبول الأخر واختلاف شكله ودوره. واتسع المفهوم ليشمل قيم أخرى للتعايش مع المثليين فتم إعادة انتاج بعض الأفلام ذات القصص القديمة الشهيرة لتتضمن ترويجا للمثلية الجنسية مثل فيلم الجميلة والوحش؛ الذي تحول صديق الشرير لمثلي الجنسية يحاول أن يغريه، ولكنه شرير لا يقبل بذلك، وكأن عدم قبوله أمرا شريراومرفوضا، ومع نهاية الفيلم وانتصار الخير يأتي أخر مشهد للفيلم ليكشف المثلي عن مثليته، ويرقص مع رجل مثله وكأن النهاية السعيدة لابد أن تتضمن انتصارا للمثلية أيضا. وفي أفلام أخرى تضمنت مشاهد من الشذوذ مسلسل أسبونج بوب أو فيلمتوي استوري الجزء الثالث. الأمر الذي يطرح إشكالية فكرية مهمة مع ترويج المنظمات الحقوقية لحقوق الشواذ والدفع لإقحامه في حياة الأطفال، كأمر طبيعي مقبول، ولكنها في الوقت ذاته تجرأت على حقوق الطفولة والبراة لتقحمهم في اعتبارات جنسية ضد برأتهم، بل وتثير اشكالية الاختيار مقابل الفرض عبر التكرار بسبب تكرار المواد الفيلمية بين القنوات المختلفة.
4) القوة والشجاعة والإقدام مقابل العنف والتخطيط للجرائم الجنائية:
نجحت المواد الفيليمية من الرسوم المتحركة في دعم قيم الإقدام والتفوق والجسارة، خاصة أفلام المسابقات الرياضية كمسلسل بي بطل الذي يبدأ بعبارات قتالية جسورة تلهب المشاعر والحماسة“دافع وقاتل لا تبالي تخاطر صراع البلابل”، ورغم هذه القيم الإيجابية يتضمن العمل عبارات متناقضة، تأتي على نقيض ما أعتدنا عليه من قيم التسامح والمحبة كعبارات “أقتل أحلامه أمام عينيه ليرى مدى ضعفه” عبارة مسمومة تراكم عبارات مماثلة ستنتج شخصيات مريضة نفسيا أكثر خطورة على المجتمع.
واذا انتقلنا من الجسارة والشجاعة لأفلام تجعلها حكرا على الأبطال الخارقين، وهنا تتصدر الولايات المتحدة الأمريكية المقدمة بإنتاجأفلام الخارقون Marvels Avengersكبات مان وسوبر مان والنينجا، والرجل الذئب، والمتحولون ودائما تنتصر على التكنولوجيا والأشرار، وتروج لقيم غريبة فنجد البطل “هالك” مصدر قوته عبر الغيظ والعصبية التي نهي الله عنها فأصبح الغضب عاملا لنصرة الخير خلاف قول القرآن الكريم في سورة آل عمران “وَالْكَاظِمِينَالْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (134 الاية)
وإذا نظرنا لتلك الشخصيات التي يصورها الإعلام الأمريكي بالبطولة، يمكن طرح في هذا السياق الآن أفكارا حول حروب الجيل السادس التي تصنع من الحيوانات والحشرات مصدرا للوباء والخطر، والتحكم في العالم فعلى سبيل المثال جاءت الكورونا بالأساس بعدوى منقولة من الوطواط، وظهرت بالصين العدو الاساسي للولايات المتحدة التي تهدد تفردها بالعالم وهيمنتها عليه، فهل بات مان الامريكي البطل هو رمزية للقضاء على الصين عبر نشر هذا الوباء في ظل حرب باردة قائمة بين الصين وأمريكا قبل وأثناء الكورونا.
واذا نظرنا من بعد آخر، نجد أن تلك الأفلام تنتصر عبر ممارسة العنف والقتال الذي ينتهي بهيمنة البطل الأمريكي كرسالة للهيمنة على العالم، واستئثار العقول من هذا الجيل، ولكن في ذات الوقت تروج للعنف والقتال بين الأطفال.
الأمر الذي يتقاطع مع أفلام كرتونية أخرى شديدة الخطورة تفتح عقول الأطفال على طرق تنفيذ الجرائم الجنائية شبه الكاملة وتشرح بالتفصيل طريقة إجرائها، وثغره الكشف عنها وكأنها بمثابة رسالة خفية لتفادي تلك الأخطاء. مثل مسلسل “المحقق كونن” الذي يطرح جرائم جنائية خطيرة محكمة التخطيط والتنفيذ مستغلة القدرات العقلية التركيبية. وتشترك جميعها في استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة والمتطورة سواء في ارتكاب الجرائم أو في طرق الكشف عنها لتصبح أكثر جذبا لهذا الجيل. مما يمثل خطورة كبيرة تفتح أعين الأطفال على عالم الجريمة المتقدمة، وإمكانية استقاء بعض الافكار الجنائية خلال تعاملهم في عالمهم الخاص.
5) تشويه الحضارة الفرعونية والعرب مقابل الترويج لشخصيات أسطورية تحمل أسماء يهودية:
تظهر الحضارة الفرعونية خلال العديد من الأفلام الكرتونية كحضارة شريرة، رغم تطورها لكنها تبني على الشر والخداع.ويظهر المصريون من العصر الحديث في شكل أشخاص بسيطة فقيرة تؤمن بالسحر وتمارسه، أو تمارس الخدع والحيل التافهة التي من السهل اكتشافها مثل بعض حلقات “ميراكولاس” التي صورت الفراعنة بالأشرار المتوحشين، ومسلسل “اجيكسس“ التي تعكس الحضارة الفرعونية كحضارة مفقودة وشريرة، ومسلسل “أبطال كرة السلة” يحكي في أحد حلقاته عن لاعبين يلعبون كرة السلة انتقلوا للعب بساحة الأهرامات بمصر، وقاموا بمقابلة المصريين من الباعة والسحرة. هنا الأمر يحتاج لوقفة والتساؤل من صاحب المصلحة في تشوية الحضارة الفرعونية الأقدم والأكثر تقدما، ومن صاحب تشويه صورة المصريين في كافة أفلام الكرتون، بل وأفلام الدراما الأجنبية كفيلم المومياء. وفي مسلسل كرتون “الجواسيس” يعرض لقصة جواسيس ضد الحضارة الفرعونية لصالح الحكومة الأمريكية،تستهدف هدم الأهرامات وفي أخر حلقة تنجح بهدمها بالفعل.
ونجد بالمقابل ظهور شخصيات أسطورية شابة تحمل اسم “زاك ” كمسلسل “زاك استورم“ ، ومسلسل “السندباد والمجرات السبعة“شخصيات تستخدم التكنولوجيا الحديثة، وتقاتل قوى ظلامية ترتدي ملابس تشبه الملابس العربية كالعمل الأول، وتظهر في شكل مومياء مخيفة في العمل الثاني تحمل اسم EGY فهل هى رمز للحديث عن مصر. هنا يأتي التساؤل من صاحب المصلحة لظهور صور ذهنية سيئة عن المصريين والحضارة الفرعونية والعرب، مقابل ظهور شخصيات مبهرة تحمل اسماء يهودية تجيد استخدام التكنولوجياالحديثة وتقنيات الذكاء الاصطناعي المحببة لجيل زد وتنتصر على قوى الشر.
6) الأعمال البطولية والانتماء مقابل التجسس وتحسين صورة الجواسيس كمهمنة مقبولة مجتمعيا:
تظهر أفلام كرتونية تتحدث عن البطولة والوطنية والانتماء وتتضمن عبارات حماسية كالمسلسل الكرتوني “أسياد الشرق “مثل “شرف الوطن أغلى ما نحب” وتتحدث عن التضحية في الدفاع عن الوطن وبذل النفيس والغالي للزود عنه ، فيتناول المسلسل قصة الدفاع عن ممالك الشرق وقت حكم الماغول وكيف قامت ممالك عبر الشرفاء والمخلصين.
هذا في حين نجد أفلام أخرى تحسن على الامتهان بمهن مرفوضة يعاقب عليها القانون، بل قد ترتقي لحد الخيانة العظمي، وتتنافي مع الوطنية ألا وهي “الجاسوسية والتجسس” فيعرض مسلسل يحمل أسم الجاسوسات كمهنة جيدة يتم تجنيدهم عبر المنظمة الدولية للجاسوسات وتطرح أدوات تكنولوجية حديثة للتجسس والتدريب، تستخدمها البطلات التي يتغنون ببطولتهن ليمارسن التجسس كمهنة لصالح من يدفع ويطلب من المنظمة تقديم الخدمة. فهل هذه دعوة لبناء كوادر من الجواسيس لصالح من يدفع دون وجود انتماء او ولاء.
7) الجراثيم والأوبئة والأبطال الخارقون:
تحمل بعض أفلام الرسوم المتحركة مسمى الجرائيم “جورمتي” باعتبارهم أبطالا خارقون للقضاء على الظلام والعالم السفلي،فهل يمكن اعتبار أن تلك الأعمال هى ترويج لانتشار الاوبئة كما نعيش الأن كوباء الكورونا وما يتردد بإمكانية تكرار أو ظهور أوبئة أخرى أكثر خطورة ستقضي على عدد كبير من البشر. مما جعل البعض يردد عبارات نهاية العالم. فهل هذا المشهد يتقاطع مع الجراثيم باعتبارها مدخلا للقضاء على الظلام والعالم السفلي ومن ثم فهم ابطالا خارقون من أجل الخلاص.
8) التشارك والتعايش مقابل التهيئة لقبول مخططات استعمارية جديدة:
هناك أفلاما تقدم أفكار تبحثها وتخطط لها بعض المراكز البحثية الغربية، كالحديث عن ندرة الموارد وتقاسمها لبناء جيل موافق وداعم لهذا الفكر والمخطط. لأن هذا الجيل هو من سيحكم في المستقبل القريب، ومن ثم سيمكنهم القبول بتنفيذ المخططات المستقبلية التي يعد لها. فنجد مسلسل “زفاريا” الذي ينادي بالتعايش بين الحيوانات واستبدال أدوارها وأشكالها ليقدم في أحد حلقاته لقصة قرد وجد حجرا أخضرا نادرا، ويظهر ثعبان لديه خبرة وهواية جمع الأحجار النادرة. ويبدأ بالمطالبة في الحصول على الحجر من القرد، الذي يرفض في البداية لأنه هو من وجده أولا. مقابل نجد الثعبان يعتبر أن خبرته في اقتناء الاحجار هى مبررا للحصول على الحجر النادر، والغريب يأخذ الفيل والغوريلا الحكيمة صف الثعبان بحجة أن الخبرة هى أساس الشرعية وأن الحجر في يد قرد بلا عقل،سيؤدي لضياعه والقضاء عليه. وبالفعل يتم عمل حيلة من قبل الفيل على القرد محدود الرؤية والعقل وينتصر في النهاية الثعبان ليتفقوا على تقاسم المورد ورعايته في البداية، مقابل قيام القرد باللعب والمرح الأمر الذي سيدفعه للتخلي عن رغبته في ملكية المورد ليذكر أنه قرد بلا عقل ولا يصلح لرعاية الحجر ويرغب في اللعب والمرح والترفيه.
هنا نجد أن مراكز الفكر الغربية تطرح مبادرة لتقاسم الموارد النادرة، بحجة أن الدول التي تمتلك الموارد الطبيعية لا تمتلك حوكمة الموارد ، ومن ثم على الدول التي تمتلك تكنولوجيا ترشيد المورد أن تتحكم مركزيا في المورد لتصنيعه وتخطيط استخدامه مستقبلا مقابل زيادة عوائد استخدام المورد. هنا هل نجد تشابه بين الروايتين وهل يمكن القول أن جيل زد يخطط له للموافقة على تقاسم الموارد وتشاركها مع من يمتلك التكنولوجيا، خاصة إذا وجدنا أن قناة ام بي سي 3 على سبيل المثال قامت بعرض الحلقة، واعادة إذاعتها مرات عديدة متكررة مع العلم أن التكرار يمثل رسالة في حد ذاته يجب الانتباه لها بل وترسيخا للفكر.
ثانياً: السياسات المقترحة للمجابهة:
مما سبق أبرزنا بعض الرسائل الكامنة في أفلام الكرتون الموجهة لجيل زد كان من الممكن التصدي لها، أو تقويم هذه المواد عبر الدوبلاج أو التدخل الرقابي، خاصة بسبب اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد. إلا أن المفارقة أن هذا الأمر لم يتم بالشكل المناسب حتي في الأفلام المدبلجة باللغة العربية. مما يتطلب لوجود رؤية أو لجان فكرية تقييم ما يبث لأبنائنا في ظل وجود صناعة الرسوم المتحركة خارج الوطن العربي. ومن ثم تختلف في الفكر والرسالة. فلا ننسي ألعاب الرسوم المتحركة على الموبايل التي تسببت في انتحار بعض أبنائنا من هذا الجيل كلعبة “موموه“و“مريم“ و“الحوت الأزرق“. الأمر الذي يحتاج لرفع الوعي والرقابة في ذات الوقت من الدولة والمدرسة والأسرة.
في هذا الصدد، يمكن طرح عدد من المقترحات التي تحتاج للاطلاعبها، لمجابهة تلك الرسائل المضللة التي لا تتوافق مع الخصوصية الثقافية والدينية والحضارية لمجتمعاتنا والتي تمثل في بعضها مخاطر سياسية مستقبلية:
1) وجود هيئة لرقابة مصنفات الرسوم المتحركة تتكون من اطباء نفسيين ومفكرين وإعلاميين وساسة واقتصاديين ومهندسينلتفنيد الأعمال الجيدة من الرديئة.
2) دبلجة افلام الكرتون ولكن وفق رؤية واضحة لحذف العبارات المسمومة من الدبلاج.
3) إنتاج مسلسل كرتوني عن الأطفال الخارقين ولكن من منطلق عربي مفيد لتكون أكثر جذبا وتتلائم مع اللغة التي يعيها أبنائنا، عبر معالجة أفات المجتمع وتدعيم قيم الخير الحقة. كقضية مكافحة المخدرات مثلا فيمكن عمل فيلم كارتون يكون الوحش أحد أنواع المخدرات يختلف مع كل حلقة والضحية المدمن والأبطال الخارقون هم الضباط والأطباء ليتم محاربة الوحش ونشر معلومات عن المخدرات وأنواعها وأعراضها ومخاطرها بطريقة قريبة لهذا الجيل.
4) إعادة النظر في كيفية استخدام أفلام الكرتون في التدريس بالمدارس بمختلف مراحلها في جميع المقررات، خاصة في إطار التعليم عن بعد ، عبر إنتاج أفلام درامية وليس مجرد مقاطع سريعة.
5) انتاج افلام كرتون عربية وباللغة الانجليزية تتوائم مع ثقافتنا ومقدراتنا
6) تدريس مادة الاتصال السياسي ودلالات الصورة في المدارس لبناء عقلية نقدية لدى الاطفال من الاجيال الحديثة.
7) رفع وعي الأسرة بخطورة الرسائل الكامنة في الرسوم المتحركة وأهمية انتقاء المواد الفيلمية التي يراها أبنائهم والحديث مع الأطفال ليفهموا الرسائل الخفية كي لا تعلق بأذهانهم.
8) إنشاء قناة كرتون مصرية تبث بجودة عالية توجه باللغة الحديثة التي يفهمها الأطفال وتنتقي خلالها المواد الفيلمية المهمة.
9) وجود خطب في المساجد ودروس توعية بالكنائس حول مخاطر أفلام الكرتون والرسائل الكامنة.
10) مناقشة تلك المخاطر مجتمعيا في برامج التلفاز والصحف وشبكات التواصل الاجتماعي لتصبح قضية رأي عام ومن ثم يعي بها المجتمع ويتأهب لمجابهتها.
وختاماً، يجب أن نخاطب أبنائنا باللغة التي يتميزون بها والتي تخاطب عقولهم وقلوبهم وألا نتركهم لما يبث من سموم من الخارج، فليس كل ما هو مستورد جيدا ومفيدا. فهم حكام المستقبل وعلينا أن نعلم ونعي ماهية المكونات الفكرية التي نريدها بحكامنا المستقبليون.