الغاز: حرب أمريكية من نوع أخر علي روسيا
تتدخل الولايات المتحدة في سياسات القارة الأوروبية الخاصة بالغاز الطبيعي، سعيا لزيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال، والاستفادة من الخلافات التجارية في الأسواق الدولية، والوقوف في وجه التقارب الروسي الأوروبي.
وتٌعبر العاصمة الألمانية برلين، عن القلق إزاء تلميح واشنطن باستعدادها فرض عقوبات ثانية على مشروع “السيل الشمالي 2″، الذي يهدف إلى نقل الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق.
ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، العام الماضي خلال مشاركته في قمة الناتو، اتفاقية ألمانيا مع روسيا بشأن الغاز الطبيعي بالـ”غير لائقة”.
وادعى حينها، أن ألمانيا تسدد مبالغ مرتفعة لروسيا مقابل الغاز الطبيعي، ولذلك فإنها تعتبر أسيرة لروسيا.
وصرّح وزير الطاقة الأميركي، ريك بيري، العام الماضي، أن بلاده قد تلجأ لفرض عقوبات ضد الشركات المساهمة في إنشاء خط السيل الشمالي 2.
بينما وافق مجلس النواب الأمريكي أواخر 2017، على قرار فرض عقوبات على عدد من الشركات والأشخاص المشاركين في المشروع.
وفي الأسبوع الماضي، وجه السفير الأميركي في برلين، ريتشارد جرينيل، رسالة إلى الشركات المشاركة في المشروع، محذرا إياها من العقوبات الأميركية.
وأكد وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، على ضرورة ألا تتدخل الولايات المتحدة في السياسات الأوروبية بخصوص الطاقة.
وقال رئيس مركز روبرت بوش للدراسات حول أوروبا الشرقية وروسيا وآسيا الوسطى ستيفان مايستر، في لقاء له مع “الأناضول” إن قرار العقوبات الأميركية سيؤثر سلبا بشكل مباشر على الشركات المشاركة في المشروع، ما سيسفر عن إنجاز شركة غاز بروم للمشروع بمفردها.
كما وأضاف أن قرار العقوبات في حال صدوره، سيدفع بالشركات الألمانية أيضا للتخلي عن المشروع، إلا أن هذا الأمر لن يقف أمام إنجاز مشروع السيل الشمالي 2، الأمر الذي سيحقق الفائدة لسوق الأعمال الألماني في المستقبل.
واستطرد قائلا “وفي الوقت ذاته، إن إتمام المشروع معناه بأن ألمانيا ستصبح مركزا مهما للطاقة على الرغم من العقوبات الأمريكية، ما سيجعل العلاقات الألمانية الأميركية تشهد المزيد من التراجع”.
ومن جهتها، تسعى الولايات المتحدة لوقف مشروع السيل الشمالي لثلاثة أسباب، أولها، وجود بعض الأطراف الأميركية الداعية لقطع العلاقات مع روسيا بشكل كامل، حتى ولو كان الأمر على حساب تضرر العلاقات مع حلفاء أميركا في أوروبا.
والسبب الثاني وفق ما قاله مايستر، يكمن في أن الولايات المتحدة تستغل المشروع للضغط على ألمانيا بهدف عقد اتفاقيات تجارية أكبر معها.
أما السبب الثالث، فهو تنافس الولايات المتحدة مع روسيا في بيع الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا.
وقال الباحث الخبير في أسواق الغاز العالمية في مركز “كلينجيندايل” الهولندي، لوكا فرانزا، لـ”الأناضول”، إن العقوبات الأميركية الثانية ستضرب الشركات بدرجة أكبر من الدول.
وأكد أن الجانب الروسي مُصر على إتمام مشروع السيل الشمالي، حتى ولو شهد أزمة في التمويل من الجانب الأوروبي، إذ يعد الكرملين مستعدا لضخ الأموال لإتمام المشروع. وأن واشنطن تعارض، منذ سبعينات القرن الماضي، الاتفاقيات المشتركة بين روسيا وأوروبا، في مجال الغاز الطبيعي.
ويبلغ طول أنابيب مشروع السيل الشمالي 2، 2200 كم، ومن المقرر أن يكتمل المشروع بنهاية العام الجاري، إلا أنه لم يتم إنجاز سوى 400 كم من الأنابيب حتى الآن.
وأعلنت روسيا عن المشروع عام 2015، بعد ضمها لإقليم القرم، بهدف تقليص حصة الصادرات الأوكرانية من الغاز الطبيعي إلى أوروبا.
وتشارك في المشروع عدة شركات غربية كبرى مثل “غازبروم”، “شيل”، و”أو إم في”، و”إنجي”، و”أونيبر”، و”وينترشال”، في حين تعارضه عدد من الدول إلى جانب الولايات المتحدة مثل أوكرانيا وبولونيا ودول منطقة البلطيق.
ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة المشروع حوالي 10 مليارات يورو (11.4 مليار دولار)، على أن يساهم في ضخ 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنويا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق.
وأصبحت الولايات المتحدة دولة مصدرة للغاز الطبيعي للمرة الأولى بعد 60 عاما، في العام 2017، حيث تسعى إدارة ترامب لتصدير المزيد من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا بهدف تقليص عجز التجارة الخارجية.
ووفق ما أعلنته شركة “سي إف إنترناشيونال” للاستشارات العالمية، فإنه من المنتظر أن تصل قيمة مجموع صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال بحلول 2050 إلى 716 مليار دولار.
ولأن أسعار الغاز الطبيعي المسال الأميركي أغلى من أسعار نظيرتها الروسية، تسعى الشركات الأميركية لتخفيض الأسعار في ظل المنافسة مع روسيا.
وتوصلت شركة “بي جي إن آي جي” البولونية الحكومية للطاقة، وشركة “جينيري” الأميركية للطاقة، لاتفاق ينص على تصدير الولايات المتحدة الغاز الطبيعي المسال إلى بولونيا لمدة 24 عاما، بتاريخ نوفمبر 2018.
المصدر: الأناضول